حد بعيد في مصر، وسائر بلاد العالم الإسلامي أوان إذًا بعيد النظر واسع الأفق، راسخ الثقة بماضيه الحضاري والثقافي، ولم يكن كأولئك المثقفين العرب المنبهرين بكل ما هو غربي، بل المتطوعين بالقيام بدور كاسحة الألغام التي تزيح من أمام الهجوم البربري الغربي والأمريكي منه بالذات؛ قوى المقاومة والتصدي لمخططاته الشيطانية في كل المجالات، وأولها مجال الفكر والثقافة والذوق.
يقول الدكتور الخطيب: عَلى أنّه ينبغي الاعتراف بأنّ الذي تغير اليوم هو الوعي العالمي العام، بأنّ النُّموذج الغربي متفوق حقًّا في مختلف مجالات الثقافة والعلم والإنتاج، وقوة المادية، والاتصال وغزو الفضاء، ولكن له مشكلاته ونقائصه وتناقضاته، ولا سيما بين المثل الأعلى المعلن، والمثل غير الأعلى للهيمنة والسيطرة والاستلاب. ولذلك ينبغي أن يكون الموقف منه حذرًا وانتقائيًّا، وغير مبني على الانبهار والتسليم الأعمى.
كما أنّ هُناك شيئًا آخر مهمًّا، قد تغير في مجال المقارنة مع المركزية الأوربية، وهو الاعتراف الضمني أو الصريح بعظمة حضارات العالم القديم في أفريقيا وآسيا، والتسليم بما قدمته هذه الحضارات ومنها الحضارة العربية الإسلامية، من إسهام مباشر أو غير مباشر في مسيرة الحضارة الإنسانية.
وهُنا أيضًا يقتضينا الإنصاف والإشارة إلى عددًا لا يستهان به من مثقفي الغرب، وعلمائه وأدبائه، أسهموا في دعم هذه الفكرة ونشرها، وإلى جانبها فكرة أصالة الإنتاج الفني والأدبي الراهن، في بلدان العالم القديم أو بلدان الجنوب، وضرورة وضعه في مواجهة لائحة التثقيف اليومي للأجيال من جهة، والاستعانة به من جهة أخرى؛ لترسيخ النزعة الإنسانية والفطرية لدى جمهرة المتلقين في العالم، ومثال ذلك: "رسالة منظمة اليونسكو" ولا سيما في مجال إحياء الثقافات