بن المقفع كتابه (كليل ودمنة) ذا الأصل الهندي الذي انتقل للعربية عبر الفارسية لغة ابن المقفع القومية.
وفي الاتجاه المضاد كان عندنا في الشعر العربي الوزن والقافية المنضبطان تمام الانضباط، واللذان اقتبسهما الشعر الفارسي بعد الإسلام؛ وأصبحا جزءًا لا يتجزأ من الإبداع الشعري الفارسي كما هو معروف، كذلك كان عندنا جنس المقامة، وهو جنس كان ينقص الآداب الأخرى كالأدب الفارسي الذي حاول أحد كتابه وهو القاضي حميد الدين أن يستزرعه في الأدب الفارسي، فكتب عدد من المقامات الجيدة إلا أنه رغم هذا لم يستطع أن يلهم غيره متابعة الطريق؛ فتوقف الأمر عنده مثلما بدأ به.
كذلك تأثر الشعر الأوربي متمثلًا في شعراء "التروبادور" بفن الموشحات موضوعًا وشكلًا، على ما مر بيانه في الدروس الحالية، وإن يمكن أن يفيده الأدب القومي من الأدب المقارن أيضًا استلهامًا للمواقف والنماذج البشرية، التي قد تكون غائبة عنه أو تكون فيه؛ لكنها في الآداب الأخرى تمثل ألوانًا مختلفة عما يعرفه، ومن تلك النماذج أنموذج البخيل أو أنموذج البغي التي كانت في انحرافها ضحية للمجتمع وأوضاعه الظالمة.
ومن هذه النماذج أيضًا أنموذج البطل الأسطوري الإغريقي "بريمثيوس" رمز العناء البشري الذي لا ينتهي، والذي كلما ظن أنه قاب قوسين أو أدنى من التخلص منه عاد فتجدد ليقاسيه صاحبه من البداية، وكأنه لم ينل كفايته وما فوق كفايته من العناء والمقاساة.
وهناك كذلك نموذج "يوسف" و"زليخة" والأخيرة رمز الشهوة والإغراء من جهة، والأول رمز العفة والتماسك والصبر على ما يترتب على تلك العفة وهذا التماسك من تنكيل شديد.