وهناك نكتة مشهورة في هذا المجال: هي أن أحد العابثين أراد أن يسخر من الرسامين السرياليين؛ فأتى بحمار وغمس ذيله في دلو به ألوان مختلطة، ثم أدار ظهره إلى لوحة علقها على جدار ونخسه؛ فما كان منه إلا أن طوح بذيله يمينًا ويسارًا، ناثرًا الألوان في كل اتجاه كيفما اتفق، وسقط بعضها على اللوحة، ثم أخذ اللوحة وعرضها على بعض كبار النقاد التشكيليين، الذين لم يتمالكوا أنفسهم من إبداء بإعجاب بالرسام العبقري الذي أبدع تلك اللوحة السريالية الرائعة، وكانت فضيحة "بجلاجل" حين أخبرهم بحقيقة ما صنع.
ويقول الدكتور محمد مندور في كتابه (الأدب ومذاهبه): إنه في أعقاب الحرب العالمية الأولى، تضافرت الفلسفة "الفرودية" مع المحنة الإنسانية العاتية التي أصابت البشر بويلات الحرب؛ فتصدعت القيم الإنسانية، وهانت الحياة على الإنسان بعد أن رأى الفساد يتربص به في كل مكان، ونشأت رغبة جارفة للتحلل من الأخلاق، وانتهاب اللذات قبل أن تفنى الحياة وتخر في العدم، وبالتالي تحركت الغرائز والرغبات المكبوتة في النفس البشرية لإشباعها إشباع حر طليقًا لا يخضع لأي قيد، ولا تردعه أية مواضعة من مواضعات المجتمع.
ولم تقتصر هذه النزعة على الحياة؛ بل امتدت إلى الفن والأدب اللذين يصدران عن هذا النوع من الحياة، مما أدى إلى ظهور المبدأ المعروف بالسريالية، أي: مذهب ما فوق الواقعية، وهو المذهب الذي يريد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، والذي يزعم أن فوق هذا الواقع أو خلفه واقعًا آخر، أقوى فاعلية وأعظم اتساعًا، وواقع لا وعي، واقع مكبوت في داخل النفس البشرية.
وعلى تحرير هذا الواقع وإطلاق مكبوته، وتسجيله في الأدب والفن، أراد السرياليون توفير جهودهم، وإن كان من الحق أن نقول: إن هذا الواقع الدفين