أقوى من مناصف أحمد الدنف وحسن شومان، فقامت وضربت لثامًا، ولبست لباس الفقراء من الصوفية، ولبست لباسًا نازلًا لكعبها وجبة صوف، وتحزمت بمنطقة عريضة، وأخذت إبريقًا وملأته ماء لرقبته، وحطت في فمه ثلاثة دنانير، وغطت فم الإبريق بليفة وتقلدت بقدر حملة حطب، وأخذت راية في يدها وفيها شرايط حمر وصفر.
وطلعت تقول: الله الله، واللسان ناطق بالتسبيح والقلب راكد في ميدان قبيح، وصارت تتلمج لمنصف تلعبه في البلد، فسارت من زقاق إلى زقاق؛ حتى وصلت إلى زقاق مكنوس مرشوش، وبالرخام مفروش، فرأت بابا مقوصلًا بعتبته من مرمر، ورجلًا مغربيًّا واقفًا بالباب، وكانت تلك الدار لرئيس الشاوشية عند الخليفة، وكان صاحب الدار ذا زرع وبلاد شامكية واسعة، وكان يُسمى حسن شر طريق، وما سموه بذلك إلا لكون ضربته تسبق كلمته، وكان متزوجًا بصبية مليحة، وكان يحبها وكانت ليلة دخلته بها حلفته ألا يتزوج عليها، ولا يبيت في غير بيته إلى أن طلع زوجها يوما من الأيام إلى الديوان، فرأى كل أمير معه ولد وولدان.
وكان قد دخل الحمام ورأى وجهه في المرآة، فرأى بياض شعره ذقنه غطى سوادها، فقال في نفسه: هل الذي أخذ أباك لا يرزقك ولدًا، ثم دخل على زوجته وهو مغتاظ، فقالت له: مساء الخير، فقال لها: روحي من قدامي، من يوم ما رأيتك ما رأيت خيرًا، فقالت له: لأي شيء! فقال لها: ليلة دخلت عليكي حلفتيني أني ما أتزوج عليكي، ففي هذا اليوم رأيت الأمراء كل واحد معه ولد وبعضهم معه ولدان؛ فتذكرت الموت وأنا ما رزقت ولد ولا بنت، ومن لا ذكر له لا يذكر وهذا سبب غيظي فأنك عاقر لا تحبلين مني.