كذلك لا يخلو أدبنا القديم من نصوص ذات عناصر واقعية، وإن لم يكن وراءها تنظير نقدي كالذي واكب ظهور الواقعية في أوربا على مر بيانه، فلدينا مثلًا شعر عمر بن أبي ربيعة في التعرض للنساء حتى في مواسم الحج، والاجتهاد في نيل ما يمكن نيله منهن، وتحمل ما يمكن أن يصيب المتعرض لهن من مس الكرامة أحيانًا، وعَدُم المُبالاة بأقاويل الناس، والنظر إلى المرأة على أنها شيء يُستمتع به، دون التقيد بشخص امرأة بعينها، بحيثُ إذا غابت أو هجرت أو غضبت أسودت الدنيا في وجه من يحبها، واستحالة حياته جحيمًا لا يمكن احتماله.
وتزداد الأمور إثارة في الواقعية على هذه شاعر كبشار بن برد، الذي لم يكن يرى في المرأة أو يهمه منها إلا جسدها، وما يؤويه هذا الجسد من شهوات، دون مبالاة بالناحية الروحية فيه على الإطلاق.
ومن الشعر الذي ينحو منحًا واقعيًّا ما نظمه أبو نواس مثلًا من قصائد تقص مغامراته في عالم الحانات وتصف مجالس الشراب، حيث لا يترك تفصيلة من تفصيلات الواقع الحي إلا سجلها أو أبرزها وكأننا نصاحبه في تلك المغامرات وهذه المجالس، ونرى ونسمع ونشم كل ما يراه ويسمعه ويشمه.
أو فلنقرأ قصيدة البوصيري في شكواه الفقر لممدوحه؛ حيث يورد وصفًا واقعيًّا لما يدور بينه وبين زوجته من مشادات بسبب الحاجة، أو لما يقع من أولاده من تصرفات بسبب ما يقلص بطونهم من جوع:
يا أيها المولى الوزير الذي ... أيامه طائعة أمره
ومن له منزلة في العلى ... تكل عن أوصافها الفكرة
إليك نشكو حالنا ... إننا حاشك من قوم أولي عسره
في قلة نحن ولكن لنا ... عائلة في غاية الكثره
أحدث المولى الحديث الذي ... جرى لهم بالخيط والإبره