ثقافيًّا، ومن ثَمّ أدبيًّا، والدّكتور "طاهر مكي" بهذا وإن بدأ بجعل اللغة هي الفيصل في تحديد الهوية القومية، وهو ما قاله قبلًا الدكتور "محمد غنيمي هلال" الذي يؤكد أن الحدود الأصيلة بين الآداب القومية هي اللغات؛ فالكاتب أو الشاعر إذا كتب بالعربية عددنا أدبه عربيًّا، مهما كان جنسه البشري الذي انحدر منه.

وما زال يقول به كذلك المقارنون العرب عمومًا كالدكتور "محمد سعيد جمال الدين" مثلًا الذي يقرره ما قرره المرحوم "هلال" من أن الحدود الأصلية بين الآداب القومية هي اللغات؛ فالكاتب أو الشاعر إذا كتب بالعربية عددنا أدبه عربيًّا مهما كان جنسه البشري الذي انحدر منه, ولذلك يعد ما كتبه المؤلفون الفرس الذين دونوا مؤلفاتهم، وآثارهم باللغة العربية داخلًا في دائرة الأدب العربي لا الفارسي.

أقول: إن الدكتور "طاهر مكي" بهذا قد عاد فتركنا في حيرة من أمرنا، بل ربما في عماية منه، حين أثار المشكلات السالفة الذكر دون أن يجيب على الأسئلة الشائكة التي طرحها, إن الأدباء العرب على سبيل المثال الذين يصطنعون في إبداعهم لغة القرآن، لا يمثلون فيما أتصور أدنى مشكلة في تطابق اللغة والقومية؛ فنحن كلنا ندين بدين واحد، ونصطنع لغة واحدة في كتابتنا، وفي حياتنا اليومية على السواء، بل إنّ الأقليات التي لها لغة أخرى إلى جانب العربية تتكلم هي أيضًا لغة يَعْرُب فضلًا عن أن التاريخ القريب والبعيد واحد أو متشابه على الأقل.

وبالمثل فإن العادات والتقاليد هي أيضًا واحدة، إن لم يكن من أجل شيء، فمن أجل أنها في معظمها مستمدة من الإسلام، كما أننا نعيش في منطقة واحدة متلاصقين لا متقاربين فقط؛ إلى جانب أننا جميعًا نتطلع إلى إن تقوم بيننا في يوم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015