ويُمكن المُضي في جمع تلك الباقة فنجد أمامنا مثلًا العانية التي نظمها أمية بن أبي الصّلت أو المنسوبة إليه في الشكوى من عقوق ابنه، وكذلك حائيته التي يرثي فيها بألم عنيف قتلى بدر من المشركين الذين سقطوا بسيوف أبطال الإسلام في تلك الملحمة العظيمة؛ فكان وقعها على قريش ومن لفّ لفهم ووقف إلى جانبهم ضد الدين الجديد العظيم وقع الزلزال المدمر.

وبالمثل نستطيع أن نضم إلى تلك الباقة عانية أبي ذؤيب الهذلي في رثاء أولاده الأربعة، ذلك الرثاء الذي لم يقصد إليه من الناحية الفنية قصدًا مباشرًا، بل أداه من خلال أربع حكايات تصور كل واحدة منها سقوط ثور وحشي، وكأنه يجيء على ما نسميه في عصرنا بالمعاد الموضوعي الذي سنه الشاعر الإنجليزي الأمريكي "تي إس إليوت".

وهناك كذلك رثاء الخنساء لصخر أخيها، ذلك الرثاء الذي وقفت حياتها كلها عليه، لا تريد أن تتوقف أبدًا عنه رغم تمادي الزمن؛ وهناك أيضًا رثاء مالك ابن الريب لنفسه الذي استلهم فيه قصيدة "عبد يغوث" فبلغ مدى سامقًا قلما يبلغه شاعر في أي أدب.

ومنه كذلك أشعار العذريين، وكثير عزة المُفْعَمة بالحرمان والعذاب، والعكوف على المشاعر الباطنية، يَجْتَرّها الشاعر في ألم لا يعدله ألم، صارخًا حيث لا يسمع صريخه ولا يمد يده إليه أحد.

ولا ننسى مثلًا أبيات ابن خفاجة في وصف الجبل المتوحد في قلب الصحراء؛ حيث لجأ إليه ذات ليلة، ومد أذنه ليسمع الكثير من أخبار ماضيه، وما مر به من أحداث وناس ومفارقات فسمع حديثًا عجبًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015