لقد غَلبت على الرّومانسيين نزعة التمرد على هذه القيود التي التزمها الكلاسيكيون؛ فدعوا إلى التخلص من كل ما يكبل الملكات، ويقيد الفن والأدب، ويجعلهما محاكاة جامدة لما اتخذه اليونان واللاتين من أصول، كانت الرومانسية ترمي إلى التخلص من كل الأصول والقيود التي أثقلت الأدب الكلاسيكي؛ لتنطلق العبقرية البشرية على سجيتها، دون ضابط لها سوى هدي السليقة وإحساس الطبع.
لقد كان الأدب الكلاسيكي هو أدب العقل والصنعة الماهرة، وجمال الشكل، والمواضيع الإنسانية العامة، واتباع الأصول الفنية القديمة؛ فجاءت الرومانسية؛ لتشيد بأدب العاطفة والحزن والألم، والخيال والتمرد الوجداني والفرار من الواقع، والتخلص من استعباد الأصول التقليدية للأدب.
وكانت البلاد الفرنسية المهد الأول للرومانسية وللكلاسيكية ولجميع المذاهب الأدبية والمناحي الفكرية، أما الظروف التي نشأت فيها الرومانسية بفرنسا فهي ما اعترى تلك البلاد من أحوال سياسية واجتماعية واقتصادية، كان من أثرها تلك الحالة النفسية التي ميزت التمزق الداخلي، والتغني بالآم الفردية.
ولعل من عوامل نشوء الرومانسية في فرنسا ما كان من هجرة بعد كبار كتابها إلى إنجلترا وألمانيا، إثر قيام الثروة الفرنسية سنة ألف وسبعمائة وتسع وثمانين ميلادية، وتأثرهم بآداب تلك البلاد، ومعطياتها الفكرية والثقافية، مما جعلهم يصدرون عن وحيها بكل حماسة وإعجاب، كتلك الحماسة التي أظهرها "شاتوبرايان" عندما عاد من مهجره إنجلترا وتسنى له أن يترجم إلى الفرنسية "الفردوس المفقود" لـ"جون ميلتون" وكذلك الإعجاب الذي أبدته مدام "تستايل" حينما عادت من منافاها ألمانيا بهذا الأسلوب الجديد الساري في أدب الشمال؛ إذ قالت: شعر أهل الشمال يناسب تفكير الأمم الحرة أكثر مما ينسابها شعر الإغريق.