فكان على الشاعر أن يتحرر من هذا القيد ويتمرد على مفهوم البيت المتكون من شطرين متساويين، وعاد تشكيله بحيث أضحى يتألف من سطور متفاوتة الطول، إذ كل سطر منها مكون من عدد من التفعيلات يختلف حسب الدفعة الشعورية؛ فإذا طالت طال معها السطر والعكس صحيح, ومن ثم لم يعد بحاجة إلى الحشو لتكميل وزن البيت.
ولم يمض سنواتٌ قلائل؛ حتى شكل هذا اللون من الشعر مدرسة شعرية جديدة، حطمت -كما قالوا- كلَّ الفروض المفروضة على القصيدة العربية، وانتقلت بها من حالة الجمود والرتابة، إلى حال أكثر حيوية وأرحب انطلاقًا.
وبالنسبة إلى بدايات هذا الاتجاه نجد من يرجعها إلى خمسينات القرن العشرين، وإن كانت إرهاصاتها قد بدأت في الأربعينات، إلا أن هناك من يعودها إلى الثلاثينات، بل هناك من يعود بها إلى ما هو أبعد من ذلك كما سيأتي تفصيله.
وقد وجدت مدرسة الشعر الحر الكثير من المريدين، وانتشرت في جميع البلدان؛ فرأينا في العراق "نازك الملائكي" و"السياب" و"البياتي" ورأينا في مصر "صلاح عبد الصبور" و"أحمد عبد المعطي حجازي" ورأينا في لبنان "أحمد علي سعيد" "خليل حاوي" و"يوسف الخال" ورأينا في فلسطين "فدوى تقان" و"سلمى خضراء الجيوشي" ورأينا في السودان "محمد الفيتوري" و"صلاح محمد إبراهيم" وهذه مجرد أمثلة ليس غير.
ولكن ما شكل الشعر الحر؟ فعند "نازك الملائكي" أنّ الشعر الحر هو شعر ذو شطر واحد، أو فلنقل: ذو سطر؛ مكون من عدد من التفعيلات ليس له طول ثابت، إذ يصحُّ أنْ يتغيرَ عدد التفعيلات من شطر إلى شطر، مع تفضيل وحدة التفعيلة؛ فينظِمُ الشَّاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة "كالرمل" مثل أشطرًا تجري