ومن ثم كان لا بد من الأخذ والعطاء بينها في الأدب كما في الاقتصاد والسياسة والعلم، وغير ذلك، فاليد الواحدة لا تصفق كما يقولون.
ولسوف يكتشف الدارس المقارن كيف أن كثيرًا من الآداب الكبيرة العالمية، التي لا يظن للحظة أنها مدينة في شيء لآداب الأمم الصغيرة، التي لا تتمتع بالشهرة العالمية، بل قد يظن كثيرٌ من الدارسين أنها ليست آدابًا ذات قيمة، أنّها على العكس من ذلك، قد أفادت من تلك الآداب قليلًا أو كثيرًا، دونَ أن يتنبه بذلك أحد من قبل؛ لحرص رجالها على أن لا يعرف الناس شيئًا عن هذا الأخذ الذي يرون أنه يحط من قدرهم.
ومن الناحية الأخرى يجد الدارس المقارن متعة عقلية ونفسية لا تقدر بثمن، حين يعمل على تتبع العلاقات بين الآداب المختلفة، ومظاهر التأثر والتأثير بينها، والسبل التي تسلكها هذه العملية.
وتتنوع عوامل التأثير والتأثر بين الآداب؛ فقد يكون غزو شعب لبلد شعب آخر أو احتلاله إياه سببًا من أسباب تأثير أدب الفاتحين في أدب المغلوبين، ومثالًا على هذا نشير إلى تأثير الأدب العربي في آداب البلاد التي فتحها المسلمون عند ظهور الإسلام، وكذلك تأثير الأدب الإنجليزي والفرنسي في البلاد المختلفة، التي احتلتها بريطانيا وفرنسا أيام المد الاستعماري.
وقد تكون الرحلات والبعثات الدراسية سببًا آخر في التعرف على آداب الأمم الأخرى، والإعجاب والتأثر بها, ولدينا أيضًا الترجمة التي قد تقوم بها الأمم المتأثرة من تلقاء نفسها، أو يخطط لها، ويوجهها ويشرف عليها ويمولها أصحاب الأدب القوي، الذي يراد له أن يكون مؤثرًا.