أما الجديد حقًّا الذي عرفه القصص العربي في العصر الحديث، ولم يكن له وجود فيما خلفه لنا العرب القدماء في حدود ما نعلم، فهو رواية القصة على لسان عدة أشخاص من أبطالها كل يراها من زاويته، ويفسر ما يراه تفسيرًا يختلف كثيرًا أو قليلًا عن تفسير الرواة الآخرين، وهذا الشكل الفني أساسه فكرة النسبية التي أفرزها العصر الذي نعيش فيه.

ومن ذلك أيضًا "تيار الوعي" وهو أحد مظاهر التأثر بالدراسات النفسية، ومن هذا الجديد كذلك المزج بين القصة والمسرحية، هذا المزج الذي تمثل في "بنك القلق" لتوفيق الحكيم وسماه صاحبه "مسرواية" وإن لم ينتشر كما كان يرجى له، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن السيرة الشعبية مثلًا كانت تمزج هي أيضًا بين الشعر والنثر، وإن اختلف في هذا المزج عن طريق "المسرواية" التي تتألف من فصل قصصي يتلوه فصل مسرحي وهكذا دواليك.

أما السيرة فيرد الشعر فيها السرد والحوار كجزء منهما لا كشيء منفصل وهذا السمة موجودة لكن على استحياء في بعض قصص يوسف السباعي مثلًا.

وهناك أيضًا النقد القصصي والتأريخ للرواية والقصة القصيرة والترجمة لأعلامهما وهو أمر لم يعرفه الأدب العربي القديم، إذ كان النقد آنذاك منصبًّا على الشعر بالدرجة الأولى ثم الخطابة والرسائل الديوانية بعد ذلك، وها هو ذا مثلًا كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ، و (الصناعتين) لأبي هلال العسكري، وكتاب (نقد النثر) المنسوب لقدامة بن جعفر، و (المثل السائر) لابن الأثير. فلنقلب فيها كما نحب، فلن نجد أي كلامًا في النقد القصصي.

أما الآن فالدراسات النقدية والتاريخية التي تدور حول فن القصة وأعلامه واتجاهاته وأشكاله، قد بلغت من الكثرة والتنوع مدى بعيدًا، وهذا من شأنه أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015