العرب من أن العرب ينقصهم الخيال والعاطفة، وأنهم من ثم لم يعرفوا فنّ القصص فأقل ما يقال فيه: هو أنه سخف وتنطع، إذ الميل إلى القصص هو ميل غريزي لدى كل البشر، كما أنّ الخيال والعواطف هبة من الله لم يَحرم منها أمة من الأمم، بل كل الأمم فيها سواء.
وإذا كان الأوربيون في غمرة غرورهم وتصورهم الأحمق أنهم مركز الكون، وأن ذوقهم هو المعيار الذي ينبغي أن يأخذ به العالم أجمع، فما عذر بعضنا في ترديد هذا السخف الذي يراد به أول ما يراد الفت في عضدنا، وتوهين عزائمنا، وإشعارنا بالقلة والنقص إيذاءهم!!، وإذا كنا قد ترجمنا -ولا نزال نترجم- الأعمال القصصية التي يبدعها الغربيون، فقد ترجموا هم بدورهم كثيرًا من الأعمال القصصية التي أبدعها أجدادنا وتأثروا بها مثلما تأثرنا نحن بهم، ترجموها إلى اللغات الأوربية المختلفة.
وكثيرًا ما ترجموا هذا العمل أو ذاك إلى اللغة الواحدة عدة مرات، وهي سنة كونية لا تتخلف أبدًا، كل أمة تأخذ من غيرها وتعطيها، وليردد الغربيون ما يشاءون في تمجيد أنفسهم وتفخيمها؛ فكل إنسان حر في أن يقول عن نفسه ما يريد، لكن العبرة بالمستمع الذي ينبغي أن يكون عاقلًا، فلا يصدق كل ما يقرع أذنه من كلام، حتى لو كان كلامًا مزقًا تافهًا لا يقبله العقل ويتناقض ومعطيات الحياة.
وأختم تلك النقطة بالإشارة إلى أن غالبية كتاب القصة، ونقادها في بدايات العصر الحديث بمصر على سبيل المثال، لم يكونوا يرون فيها فنًّا جديدًا، بل مجرد امتداد لفن قديم عرفه العرب من قبل، ومن يطلب تفصيلًا أكثر يستطيع الرجوع إلى الباب الأول من كتابي (نقد القصة في مصر) من سنة 1880 - 1980م، في الفصل المسمى "القصة المصرية والتراث القصصي العربي".