والدراسات التي مهدت الطريق إلى تأثر أدبنا العربي بالآداب الغربية، سواءٌ تِلك التي تنتمي للكتلة الشيوعية أو الكتلة الرأسمالية، إنّما ترجعُ في جانب منها إلى المبادرات والاهتمامات الفردية للكتَّاب والمترجمين، الذين قد يكونوا بعضهم مقتنعًا بما يدعو إليه، ويعمل على نشره أو قد تكون له مصلحة في ذلك.

وفي جانب آخر إلى الدعاية والتخطيط المنظمين، الذين كانا يقوم بهما الاتحاد السوفيتي، والدول الرأسمالية؛ حيث يتم تشغيل كثير من الكتاب والأدباء والنقاد بالمناصب والأموال والرحلات والهدايا وغير ذلك، بِغَرض القِيام بالدعاية لآدابهم، ونشر قيمها بين العرب، وطبع آدابهم وعقولهم وأذواقهم، ومن ثم اتجاهاتهم السياسية والخلقية والاقتصادية بطابعه، فضلًا عن تَوفير المجلات والمطبوعات والكتب المترجمة بسعر زهيد.

ولقد انقلب مثلًا كثيرٌ من الكتاب والأدباء المتحمسين للاشتراكية، فأصبحوا متحمسين بنفس القوة إلى كل ما هو غربي أو الأمريكي منه بالذات، رغم أنه لم يتغير شيء يذكر في أوضاع العرب، والبركة طبعًا في أجهزة الدعاية الأوربية والأمريكية، وما تنفقه في هذا السبيل من أموال، وتضعه من خطط، وتغرق السوق العربية من مطبوعات وصحف ومجلات، وكتب تمجد ثقافة بلادها وقيمها وأذواقها.

وأنا حين أقول ذلك لا أنفي أن يكون تشابه الظروف الاقتصادية، وعلاقات الإنتاج ووسائله، سببًا في تشابه الأشكال الفنية، أو الموضوعات الأدبية بين أدبين من الآداب أو أكثر، بيدَ أنني لا أقصر تلك المشابهات على هذا العامل وحده، أو أجعله عاملًا حتميًّا بالضرورة، إنّما هو عاملٌ واحد بين عوامل متعددة؛ قد يكون له تأثيره، وربما لا يكون له شيء من تأثير على الإطلاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015