المتنبي في الحمى، وقصيدته في خولة، وميميته في سيف الدولة، ولدينا رثاء المعري في أبي حمزة الفقيه، ولدينا ندميات ديك الجن، وأبيات ابن خفاجة في الجبل، وقصائد البهاء الزهير، وبردة البصيري.

بل إن القصيدة الوحيدة لكثيرًا ما تجمع بين القعقة والنجوى في قَرَنٍ واحد، كما هو الحال في "معلقة عنترة" مثلًا، حيث نسمع صوته مجلجلًا يحذِّر من يفكر في ظلمه، ويهدده بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ليأتينا عقب ذلك صوته الهامس الجميل متحدثًا عن حصانه، وشكواه وعبرته وتحمحمه، جراءَ وقع الرماح في صدره، والذي لو كان يعرف كيف يتكلم لكلمه بلغة فصيحة مبينة كالتي يتكلمها هو، أو منتشيًا بغناء الذباب في الروضة فرحًا بالخضرة والنضرة، غِرْبَ هطول المطر.

أما ما يقوله مندور فهو كلام في الهواء لا يثبت شيئًا ولا يدل على شيء، سوى أن صاحبه لا يبالي بما يقول، وهو مسلك خطير.

وكثير من الشعر العربي القديم يفيض بالقصص والحوار، الذي يعكس نفسية كل متكلم، كما في معلقة "امرؤ القيس" ولامية الحطيئة في نزول ضيف على أسرة معدمة منعزلة عن الناس والحياة في البيداء لا تملك ما تضيفه به، وأشعار ابن أبي ربيعة والعذريين، ورائية بشار الفاجرة، وكثير من خمريات أبي نواس، وقصيدة البوصيري التهكمية، التي يشكو فيها لأحد المسئولين بالدولة فقره، وحاجة أهل بيته إلى التوسعة في النفقة، حتى يعيشوا كسائر الناس، ونونية صفي الدين الحلي التي يتغنَّى بها محمد عبد الوهاب، وكلها قائمة على الحوار الرشيق المطرف بين الشاعر وحبيبته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015