كذلك إفشاء المعرفة، فكاتب المسرحية -أراد أم لم يرد- يطلع قراءَه ومشاهديه على تجارب ومطالعات وأفكار وتحليلات، كثيرًا ما لا يدرون عنها شيئًا، أو لا يدرون عنها شيئًا ذا بان، أو يدرون لكنه يعرضه عليهم من زاوية جديدة لا عهد لهم بها، أو على نحو أعمق أو بطريقة أبهر وأكثر تأثيرًا، وهذا كله علاوة على ترقية الذوق الأدبي والفني بطبيعة الحال.
وبالنسبة للمواصفات التي ينبغي أن تتحقق في رَسْم الشخصية المسرحية، لا بد أن تكون كل شخصية من التمايز، بحيث تبقى في الذهن بعد انتهاء القارئ أو المشاهد من المسرحية، وهو ما يتحقق برسم معالمها الخارجية من ملامح وملابس، وطريقة مشي ونطق، وعناصرها الداخلية من تفكير ومشاعر، وانفعالات وأخلاق، وخلفيتها الاجتماعية مثل كونها أبًا أو أمًّا، أو ابنًا أو بنتًا، أو عاملًا أو مديرًا أو مدرسًا أو شحاذًا وهكذا.
ولا بد في كل ذلك من الإقناع، أي: أن تأتي الشخصية طبيعية لا تصنع في رسمها، ولا إكراه لها على التصرف بطريقة لا تتسق مع سماتها، وأن تكون حية متطورة، لا ساكنة جامدة لا تتغير مهما مر عليها من أحداث واشتبكت فيه من صراعات.
ثم عندنا الحوار، وما أدراك ما الحوار في المسرحية! فهو كل شيء تقريبًا في فن المسرح -كما قلنا- فعن طريقه نلم بكل ما يرد المؤلف تعريفنا به، إذ نحن لا نعرف أي شيء عن أي شخص أو عن أي أمر إلا من خلال الحوار، فإذا أراد المؤلف أن يتحدث عن شخص ما فليس أمامه إلا أن يسوق لنا ما ينبغي أن نعرفه عنه على ألسنة المتحاورين، ونفس الشيء إذا كان هناك حادث وقع وأراد أن يطلعنا عليه، إذ لا سبيل أمامه إلا أن ينطق بالحديث عنه إحدى الشخصيات،