وهكذا اعتقد الأوربيون أن الشعوب الإفريقية أو الآسيوية بوصفها بدائية أو طفولية يُمكن استبعاد آدابها وفنونها بطرق مختلفة، دون أن يُخامر المرء أدنى شعور بالخسارة أو مجافاة شروط البحث العلمي، وأن الثقافات الشفوية هي بالتأكيد دون الثقافات الأوربية الغربية المدونة، وهي لذلك تصلح للمتاحف والدراسات الأنثروبولوجية، والدراسات التاريخية المتصلة بنشوء الإنسان وتطوره وارتقائه، كما هو الشأن في نظرة الأوربيين إلى الملاحم الشفوية.

وأن الأجناس الأدبية التي لا تتفق والتصنيفات الأدبية الأوربية، يُمكن أن تُهمل دون شعور كبير بالإثم، ما دامت خارجة عن القانون الأدبي الغربي، كما هو الشأن في نظر الأوربيين إلى المقامة، أو الشعر الغنائي في الآداب الشرقية، وأنّ الأعْمَال الأدبية العظيمة في نظر الأمم والشعوب التي أنتجتها تقاس بما يُسمى "روائع الأدب الغربي" وتنال من الدرجات بمقدار قربها أو بعدها من النماذج الغربية.

وكانت حصيلةُ هذه المظاهر العنصرية في جوهرها، والعابثة في موقفها: إن بعض الآداب كان يساوي أقل من الآداب الأخرى, وبعضها كان فريدًا في امتلاكه أهمية عالمية, وبعضها الآخر يمكن أن يهمل بوصفه بدائيًّا أو عاديًّا، ولذلك وجدنا أنّ المقارنين في القرن التاسع عشر بكامله مضوا في إلحاحهم على أن المقارنة تكون على محور أفقي، أي: بين الأنداد, وإحدى نتائج هذا المنظور.

كما تلاحظ "سوزان بازنت" أن باحثي الأدب المقارن ومنذ البداية مالوا إلى العمل مع الكتاب الأوربيين فقط, ولهذا دعا "جيرمونسكي" كبير مناظري هذه المدرسة إلى ضرورة توسيع دائرة البحث في الأدب المقارن، بغرض الوصول إلى نتائج أكثر مصداقية، وحقائق أكثر رسوخًا وموضوعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015