وكان زعيم هذا الاتجاه الشاعر الألماني جوته، الذي عد نفسه نموذجًا تتجمع فيه صفة العالمية؛ فلقد كان مطلعًا على الآداب الأوربية، متمثلًا قيمها واتجاهاتها، وغض بصره إلى خارج الحدود الأوربية الضيقة المضطربة؛ فوجد في الآداب الشرقية الإسلامية عاملًا رحبًا لا نهائيًّا من الطهر والطمأنينة، بدا له وكأنه قبس من نور النبوة، كما وجد منعًا صافيًا من الإبداع والإلهام المتجدد، عبّر عنه بوضوح في ديوان سماه "الديوان الشرقي للمؤلف الغربي". وكتب في مقدمته: هذه باقة من القصائد يرسلها الغرب إلى الشرق. ويتبين من هذا الديوان أن الغرب قد ضاق بروحانيته الضعيفة الباردة، فتطلع إلى الاقتباس من صدر الشرق.
وقد استطاع جوته بثقافته العميقة الواسعة، ومكانته البارزة، وقدرته الفذة على الإبداع، أن يجعل فكرة التواصل بين الآداب الأوربية خاصة، والآداب كلها بعامة تستقر في الأذهان، وتصبح من الأمور المسلمة التي لا تقبل الجدل، على الرغم من طغيان العصبية القومية في أوربا.
وهكذا بدت دعوة الأدب العالمي، وكأنها كانت بمثابة تمهيد طبعي لنشوء فكرة الأدب المقارن، كما جاء في كلام الدكتور محمد سعيد جمال الدين في كتابه (الأدب المقارن دراسات تطبيقية في الأدبين العربي والفارسي).
ويمثل الأديب الألماني "يوهان فلفجان جوته" حالة ساطعة في ميدان الأدب المقارن، إذ يكثر لديه التأثر بالشعر العربي، والاحتذاء بالإسلام عمومًا، والقرآن العربي، والنبي محمد على وجه الخصوص، فضلًا عن إعجابه بحافظ الشيرازي، واستحضاره إياه استحضارًا قويًّا في أشعاره، نصوصًا من إبداعه، ووقائع من حياته.