بل إن الجانب القومي؛ ليتلاشى أمام سطوة الجانب الفردي، اللهم إلا في حالات الأفراد الأفذاذ عادة، وبالذات في لحظات التوهج والسمو النادرين، كما في أوقات الحروب مثلًا حيث يمكن في ظل ظروف معينة أن يقدم الفرد على التضحية بمصالحه الخاصة، بل بحياته ذاتها فداء لوطنه أو دينه مثلًا.
ويتصف ما نحن بصدده هنا من عالمية الأدب ما كان يأمله "جوته" ويتوقع تحققه هو ومن يتابعونه، من أن الأدب العالمي معناه أن الآداب العالمية حين يتم تجاوبها، بعضها مع بعض، لم تلبث أن تتوحد جميعًا في سوى حدود اللغة، وما يُمكن أن توحي به البيئة والإقليم، وهو ما نفى دكتور/ محمد غنيمي هلال إمكان تحققه تمامًا؛ لأن فكرة الأدب العالمي في رأيه مستحيلة التحقيق، ذلك إن الأدب -كما يقول- هو قبل كل شيء استجابة للحاجات الفكرية والاجتماعية للوطن والقومية، وموضوعه تغذية هذه الحاجات، فهي محلية أولًا، وهي تشف حتمًا عن غايات عالمية.
ولكن؛ من وراء التعبير عن المسائل والآمال القومية، وما يتبع ذلك من المواقف النفسية والخواطر الذاتية، التي لا بُدّ أن تَدُلّ أولًا على حال المؤلف، بوصفه مواطنًا أو فردًا من جماعة كبيرة، ومن وراء الموقف المحدد الذي يتوجه به الكاتب إلى جمهوره الخاص، تتراءى المعاني الإنسانية العامة, فالآداب في رأيه وطنية قومية أولًا، وخلود الآثار الأدبية لا يأتي من جهة عالمية دلالاتها، ولكنه ينتج عن صدقها وتعميقها في الوعي الوطني والتاريخي، وأصالتها الفنية في تصوير آمالها وآلامها النفسية، والاجتماعية المشتركة بين الكاتب وجمهوره.
والحق أنه لا يوجد خلاف بين ما يقوله هلال وما نادى به "جوته" ورجا وقوعه؛ فكلاهما يؤكد أن الخطوط العالمية العامة، وبخاصة من حيث الموضوعات