كذلك نجد في تلك القصائد ما يُقابل المَطْلَع والغُصْنَ والقُفل في الموشحات، كما أن المصطلح الذي يطلق على مجموع الغصن والقفل معًا، هو البيت. بالضبط مثل ما يطلق في الموشحات.
ثم إن نظام القافية في شعر شعراء التروبادور يسيرُ على نفس المنوال الذي تسير عليه القافية من ذلك الفن، وبالمثل يقابلنا في غزلهم شخصية الرقيب، والواشي، والعاذل، والحاسد، والجار، وكذلك الرسول الذي يستخدم في مهنته خاتمًا، كما في الموشحات فضلًا عن استعمال ضمير المذكر للحبيبة في كثير من الأحيان.
وفي كتابه (دور العرب في تكوين الفكر الأوربي) يبرز الدكتور عبد الرحمن بدوي دور الموشحات في الأسجال الأندلسية في نشأة الشعر الأوربي، مُشيرًا إلى أنّ أوّلَ من قال بهذه النظرية هو "خونيال ربيرا" المستشرق الأسباني الذي عكف على دراسة موسيقى الأغاني الإسبانية، ودواوين الشعراء التروبادور والتروفير، وهم الشعراء الجوالة في العصر الوسيط في أوربا، و"الميسنجر" وهم شعراء الغرام؛ فانتهى من دراساته إلى أن الموشح والزجل هما المفتاح العجيب الذي يكشف لنا عن سر تكون القوالب التي صبت فيها الطرز الشعبية، التي ظهرت في العالم المتحضر إبان العصر الوسيط.
وأثبت انتقاله بحور الشعر الأندلسي فضلًا عن الموسيقى العربية إلى أوربا، عن نفس الطريق الذي انتقل به الكثير من علوم القدماء وفنونهم، من بلاد الإغريق إلى روما، ومن روما إلى بيزنطة، ومن هذه إلى فارس وبغداد والأندلس، ومن ثم إلى بقية أوربا، وكنت أود لو أضاف الدكتور بدوي إلى ذلك أن كتابًا آخرين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، مثل "نيكل وأوفون سلفستر وفيوري وفرانت إيجلي" يعضدون هذه النظرية.