وقد حدد ابن رشد ثلاثة مستويات لفهم الشريعة والدين، وهي ليست بعيدة عن جوهر ما ذهب إليه ابن طفيل في (حي بن يقظان) فهناك فهم العامة للدين، وفهم الخاصة، وفهم خاصة الخاصة وإن كان للدين جوهر واحد لا يتغير.
وقصة "حي بن يقظان" وضعت أيدينا على تباين المستويات لهذا الفهم، بشكل روائي قصصي يطرح قضية فلسفية، وتتجلى براعة ابن طفيل في مزجه الأفكار الفلسفية الدقيقة بالقصص الشعبي، وفي جهده؛ لتسويغ هذه الأفكار منطقيًّا وفنيًّا، وقد ذكر ابن طفيل تأثره في قصته بفلسفة ابن سينا.
وفي قصة "حي بن يقظان" جوانب من النضج القصصي، وإن كان قالب القصة ليس سوى إطار لصب الآراء الفلسفية والصوفية في النص، وقد قدر كثير من النقاد هذا الجهد القصصي لابن طفيل، فعدوا "حي بن يقظان" أفضل قصة عرفتها العصور الوسطى جميعًا. وهناك روايتان تفسران لنا ولادة حي بن يقظان:
الأولى: تقول إنه تولد من الطين في جزيرة جنوب خط الاستواء تسمى الوقواق، وهي جزيرة خيالية كما هو واضح.
على حين تخبر الأخرى بأنه قد ولد لأميرة تزوجت على غير إرادة أخيها الملك من قريب لها اسمه يقظان، ثم أنجبت منه طفلًا، فخافت أن يفتضح أمرها، فيعاقبها أخوها عقابًا رهيبًا هي وزوجها؛ لأنه لم يكن لها أن تتزوج، فألقت ابنها في تابوت وأسلمته لليم الذي حمله إلى جزيرة مهجورة، وتصادف أن مرت في هذا المكان الذي استقر فيه التابوت غزالة كانت تبحث عن ابنها الذي فقدته؛ فسمعت صوت بكاء فاتجهت نحوه فعثرت على الطفل الرضيع؛ فأخذته وأرضعته وحضنته وربته، وكانت تحمله هنا وهناك أينما اتجهت.