فوصل إلى حقيقة التوحيد بالفطرة؛ وينتقل إلى جزيرة أخرى فيلتقي بشخصين وهما سلامان وأبسال؛ يعلم الأول منهما أهل الجزيرة الذين يتدينون تدينًا سطحيًّا الحقائق الإلهية، والوجودية عن طريق ضرب الأمثال. بينما يميل الثاني إلى التأمل والنظر العقلي، وفيه نزعة صوفية.

ويدرك حي بعد أن يتفاهم مع أبسال أن ما توصل إليه من إدراك لحقائق الوجود والكون بالفطرة، وما ورثه أبسال عن طريق النبوة، إنْ هُو إلا وجهان لحقيقة واحدة؛ فالكونُ واحد، والخالق واحد، وهو رَبُّ السّماوات والأرض، وصانع الموجودات، قد نصل إليه عن طريق التأمل الذاتي كأفراد، لكن الجماعات بحاجة إلى طريقة أبسال في ضرب الأمثال الحسية لمعرفة ذلك؛ لأنه لا قدرة للعامة على إدراك الحقيقة المجردة، التي قد يصل إليها أصحاب التأمل الذاتي والنظر العقلي.

والنبوة حق ولا بد منها، والخليقة بحاجة إليها للوصول إلى معرفة الخالق، إلا أن حيًّا لا يُكاشف أهل الجزيرة بالحقيقة كلها، ويعود مع أبسال إلى الجزيرة الأخرى؛ ليعبدا الله عبادة روحية خالصة، حتى يأتيهما اليقين.

وتمثل القصة العقل الإنساني الذي يغمره نور العالم العلوي، فيصل إلى حقائق الكون والوجود بالفطرة والتأمل، بعد أن تلقاها الإنسان عن طريق النبوة، وتؤكد قصة (حي بن يقظان) على أهمية التجربة الذاتية في الخبرة الفكرية والدينية، وقد تركت آثارها على كثير من الجامعات والمفكرين، وترجمة إلى اللاتينية واللغات الأوربية الحديثة، وكان ابن طفيل أستاذًا لابن رشد الذي سماه "دانتي" الشارح الأكبر، والذي عن طريقه عرفت أوربا في عصر النهضة أرسطو وفلسفته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015