العربية في الصميم، لأنه إذا ما تفرقت الشعوب العربية لغويًّا، وأمسى لكل شعب لغته الخاصة به التي لا يفهمها شعب عربي آخر كان ذلك أول مسمار يندق في نعش العروبة، التي هي محور الإسلام ومادته الصلبة.
وحينئذ سرعان ما ينهار عمود الإسلام -أو على أقل تقدير- يتحلحل ولا يثبت على حاله، ولسوف تقوم حينئذ حواجز سميكة من اللغة بيننا، وبين تراثنا وقرآننا وأحاديث نبينا، فنضطر إلى ترجمتها بما يجر ذلك من تغيير في النص المترجم كل حين كما هو الحال مع الكتاب المقدس الذي لا يثبت على حال أبدًا.
ونحن مع أنور الجندي كذلك في وجوب الاهتمام بكتابات ابن حزم والغزالي، وابن خلدون، وابن تيمية، وأمثالهم بوصفها إبداعات أدبية مثلما هي إبداعات فكرية، بل إن كتابات هؤلاء وأمثالهم لتفوق في الجمال والعمق والروعة الفكرية، والأسلوبية كثيرًا من النصوص النثرية التي درجنا على دراستها في كتب الأدب، وحصصه، ومحاضراته.
ولكن لا بد أن نضيف ما هو معلوم من أن قدماء نقادنا هم الذين استنوا سنة استبعاد أمثال الغزالي وابن خلدون من دائرة اهتمامهم، مركزين على ما يسمي بـ"النثر الفني" وهو النثر المنحصر في الرسائل الديوانية، وما إليها.
ذلك أن كلام الجندي يفهم منه أن هذه ثمرة من ثمار تقليد المستشرقين في دراستهم للأدب العربي، وهذا غير صحيح في حدود علمي، فالمستشرقون عادة ما يوسعون دائرة الأدب بحيث تشمل أمثال أولئك الكتاب الذين ذكرنا أسماءهم آنفًا، إذ الأدب في الغرب لا يقتصر على النثر الفني كما نعرفه، بل يشمل كل كتابة تتسم بجمال التعبير، ودفئه أيًّا كان موضوعها حتى ولو كان تاريخًا أو جغرافية أو فلسفة.
بل كثيرًا ما يقصد بهذا المصطلح هناك كل ألوان الكتابة بإطلاق، وقد درج الكتاب في العقود الأخيرة عندنا على ترجمة هذه الكلمة بمعناها الأخير إلى "أدبيات"، فيقولون: الأدبيات السياسية، والأدبيات القانونية وهلم جرة.