وفوق ذلك امتاز هذا الأدب بالغنى بحيث لم يترك شيئًا في الحياة أو في النفس البشرية إلا تناوله، ووضعه تحت المجهر؛ ليشرحه بكل حرية وجسارة، ولو نظرنا على سبيل المثال في كتب الرحلات، وما سجله مؤلفوها من مشاهدات وخبرات في أسفارهم وتنقلاتهم، سواء داخل بلاد المسلمين أو في بلاد الكفار، لعرفنا إلى أي مدى كانت هذه الحرية وتلك الجسارة، فضلًا عن الموضوعية الشديدة التي كانوا يلتزمونها في نطاق عصرهم وظروفهم.
كذلك يُؤكد الأستاذ "أنور الجندي" رحمه الله أن الأدب العربي القديم كان ملتزمًا الصراط المستقيم منذ أشرقت شمس الإسلام، ثم انحرف الشعر إلى الخمريات، والغزل المكشوف والغلمانيات، بتأثير الشعراء الفرس اللذين تأثروا بالمجوسية من أمثال بشار وأبي نواس، مثلما انحرف النثر إلى الأسجاع والمحسنات البديعية والمقامات، وهذا الكلام موجود في كتابه (خصائص الأدب العربي).
ونحن نشكر للأستاذ الجندي غيرته على الأدب العربي، وحرصته على استقامة سبيله، بيد أننا لا نشاركه في تصوير العرب كأنهم ملائكة مبرءون من العيوب لولا الفرس الأشرار الذين أغروهم بالشر والفساد، ذلك أن العرب هم بشر من البشر مثلهم مثل الفرس وغير الفرس، ولقد وقف العرب في وجه الإسلام طويلًا متمسكين بوثنيتهم لا يكفون عن الائتمار بالرسول وأتباعه، غير متورعين عن قتل من يستطيعون قتله من أصحابه، كما أنهم كانوا يعلون في الجاهلية من شأن الخمر والقمار، وتفشو فيهم العصبية القبلية اللعينة التي لم تفارقهم تمامًا بعد الإسلام كما هو معروف.
كذلك كان هناك ابن أبي ربيعة في العصر الأموي، ومطاردته للنساء في الطواف حول الكعبة، وفي غير ذلك من مشاعر الحج المقدسة حين لم يكن ثم نفوذ أو