المعاناة في قراءة الشعر وفهمه، بل لقد يقولون أن الشعر لا يكتب؛ ليفهم بل ليشعر به ليس إلا، وليت شعري كيف يستطيع الإنسان أن يتمتع بشعر لا يمكن فهمه! إن مثل تلك المزاعم العجيبة تناقض طبيعة العقل البشري الذي يقول: إنه في مجال الأدب لا يمكن أن يتذوق القارئ والسامع أي إبداع ما لم يفهمه أولًا ولو على نحو مقارب، أما مع غموضه واستغلاقه، فهذا ما لا يمكن أن يكون.
وقامت طوال التاريخ الأدبي العربي حركة نقدية ناشطة حول الشعر؛ فكان عندنا كتب تصنف الشعراء، وتجعلهم طبقات، وكان عندنا كتب الموازنة، وكان عندنا كتب النقد التطبيقي والتفسيري، وكان عندنا الكتب التي تتناول التصوير البياني، وتحاول أن تفض أسراره، وكان عندنا نقاد كـ" عبد القاهر الجرجاني " صاحب "نظرية النظم".
أما الفن القصصي، وكان مزدهرًا في الأدب العربي على مدار تاريخه الطويل؛ فلم تقم حوله حركة نقدية كالتي قامت حول الشعر، بل ليس هناك فيما نعرف كتاب واحد مخصص للنقد القصصي، وكل ما يمكن أن نخرج به في هذا المجال لا يعدو شذرات، ونظرات عارضة هنا وهناك، إن العرب القدماء لشديد الأسف لم يهتموا بالتقعيد لفن القصص كما صنعوا مع الشعر والرسائل والخطب، رغم أنهم أبدعوا قصصًا كثيرًا متنوعًا ورائعًا.
ولسنا ندري السبب في أن الجاحظ أو أبا هلال العسكري أو قدامة بن الجعفر أو ابن الأثير أو الصفدي أو أحدًا من أدباء المقامة، لم يحاول أن يقنن لنا المواصفات والقواعد التي تحكم ذلك الفن مثلًا، لقد كانوا يعرفون الفن القصصي من قبل