والقدرة على ظلم الآخرين دون أن يستطيع أولئك الآخرون ردًّا على هذا الظلم بظلم مثله، وكانوا يرون شرب الخمر ولعب الميسر مكرمة يتغنون بها، لما يرتبط به من نشوة تبعث الأريحية والسخاء.
كما كانت العصبية القبلية على أشدها حتى لتجر وراءها من الكوارث ما لا يخطر على بالنا الآن، كاشتعال حرب طحون بسبب تافه تستمر سنوات وسنوات دون أن يهدأ لها أوار، ولكن بالنسبة إلى الدين لم يظهر الاعتقاد في الأوثان، والتعبد لها والقيام بشعائرها في شعر تلك الفترة مثلما لم يتحدث الشعراء عن النصرانية إلا في أضيق نطاق ممكن، اللهم إلا إذا قيل إن هذا وذاك كان موجودًا على نحو كاف، لكن المسلمين حذفوه وهو ما لا أظنه صحيحًا رغم ما يردد في هذا الصدد فريق من الباحثين.
على أن الشاعر في هذا كله كان حريصًا على أن يكون واضحًا مفهومًا، فلا استغلاق في شعره ولا إلغاز، اللهم إلا في العصور المتأخرة حين يتعمد بعضهم النظم في لغز تعمدًا، أما في العصر الحديث، فكما سبق القول أصبح الغموض عند فريق من الأدباء غرضًا يقصد قصدًا كأنه قيمة في ذاته، وذلك بتأثير بعض المذاهب الأدبية التي أفرزها تاريخ الآداب الغربية وتأثرنا نحن بها، تلك المذاهب التي يرجعها المرحوم "أنور الجندي" إلى طبيعة البلاد الغربية ذات الجبال والغيوم والعواصف، والليل البهيم المرتبط بالأساطير الرمزية، على عكس طبيعة بلاد العرب التي ينتشر فيها النور، والشمس، والضوء وينكشف فيها الأفق تمامًا. ومن ثم عجزت الأساطير، والرمزيات، وأدب الظلال أن تجد لها مكان عندها.
ومن المضحك أن بعض الشعراء والأدباء العرب يزعمون تقليدًا منهم لما يقرءونه في النقد الغربي، أن الشعر الواضح لا يمكن أن يكون شعرًا حقيقيًّا، إذ لا بد من