وهذا واضح مفهوم رغم كل الغبار الذي يثيره هؤلاء في أعيننا كي لا نطلع على ما يخططون له.
وهذا كله إن كان قصدنا أن نرسم الأدب العربي شيئًا يستأنس به الأدباء في إبداعاتهم، أما إن كان المراد رسم صورة الأدب العربي في مسيرته الطويلة كما هو، فهذا موضوع آخر، وهو ما نرد الحديث فيه الآن، فأما من الناحية اللغوية فكانت العربية الفصحى هي أداته التي لا يعرف أداة غيرها، اللهم إلا في الزجل الأندلسي تقريبًا.
وفي بعض خرجات الموشحات الأندلسية التي قد تختلط فيها بعض الكلمات الأجنبية بالكلمات العامية، ثم جاء العصر الحديث، فأثيرت مسألة الكتابة بالعامية، وتولى كبر الدعوة إليها على حساب الفصحى طائفة من عتاة المستشرقين، الذين لا تهمهم المسألة بذاتها قليلة أو كثيرة، لكنهم إنما كانوا يرمون من وراء ذلك إلى القضاء على لغة القرآن، لتمزيق الروابط التي تصلنا بالتراث، وبكتاب الله وأحاديث رسول الله، ومن ثم ننسلخ عن ماضينا وهويتنا، ونُضحي أمساخًا مشوهة لا هم لها إلا تقليد الغرب في كل شيء.
ثم سرعان ما رأينا بعض الكتاب من الأدباء والنقاد، يزينون لكتاب القصص والمسرحيات اصطناع العامية في الحوار، بحجة الحفاظ على الواقعية، وصدق التصوير.
ثم تتابعت الكتابات التي تفعل ذلك، وكثرت نسبيًّا، وإن كان هناك في ذات الوقت أدباء كثيرون وبخاصة ذوي المقامات والمواهب العالية لا يزالون يلتزمون الفصحى في كل شيء، سردًا وحوارًا ووصفًا.