أن الشعر الغنائي في مصر القديمة هو أقدم شعر في العالم، إذ يعود إلى نحو2600 قبل الميلاد، ثم يأتي الشعر العبري والإغريقي بعده، وأن هذه الأشعار جميعًا قد نشأت في أحضان الاحتفالات الدينية.

وأنا وإن كان الجزء الأول من هذا الكلام يدغدغ مشاعري الوطنية، أرى أنه لا يصح إلا على أساس أن هذا الشعر المصري هـ وأقدم ما وصلنا فعلًا من شعر، أما أن يكون أول شعر غنائي في العالم على الإطلاق؛ فلا أظن أنه يمكن البرهنة عليه، فنحن نعرف أن عمر الجنس الإنساني على وجه الأرض أقدم من ذلك كثيرًا جدًّا، ومن المستحيل أن يبقى البشر قبل التاريخ المذكور صامتين لا يتغنون بما يجيش في قلوبهم، وعقولهم من أفكار وأحاسيس، ولا بما تعرضه أمور الطبيعة على أعينهم آذانهم من صنوف الجمال والمتعة. لهذا فإننا نقبل كلام كاتب المادة عن أقدمية الشعر الغنائي المصري في الحدود التي عيناها.

أما أن يكون فن الشعر قد نشأ ضربة لازب في ظلال الاحتفالات الدينية؛ فمن الصعب الموافقة عليه، ذلك أن الدين إنما يمثل جانبًا من جوانب الحياة، مهما تكن ضخامة هذا الجانب، وإلا فهناك أيضًا لذة الحب ومرارة الحزن، وآلام المرض، ونشوة الخمر، وعواصف الحرب وفورة النصر، وانكسارة الهزيمة، والانتشاء بالجمال المبثوث في أرجاء الكون، ومشاعر الحِقْد، والقهر والغيظ، وهلم جرة.

وكل واحد من هذه الملابسات أو المشاعر هو في الواقع باعث قوي لنظم الشعر بغض النظر عن تدين الشخص أو عدمه، بل بغض النظر عن إيمانه أو أكفره أصلًا، ولا يعقل أن الإنسان القديم لم يكن يحث بدافع لقول الشعر إلا في أزمان الاحتفالات الدينية فحسب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015