فهل نَستطيعُ القول بأنّ الرِّوايات التي يكتبها قصاصو أمريكا الجنوبية، ومن يتبعون سنتهم، وكثير ما هم على أساس من هذا الواقعية السحرية لا تمت بصلة إلى فن القصة.
وهناك أيضًا من يحاولون التهوين من شأن المقامة، بدعوى أن كتباها كانوا يتغيون استعراض عضلاتهم اللغوية فحسب، وهذه في واقع الأمر دعوى منكرة؛ لأن المقامات ليست براعة لغوية فقط، بل في كثير جدًّا مما ترك الهمذاني والحريري مثلًا الحكاية الشائقة، والتصوير العجيب والحوار الخلاب، والعقدة المحكمة، فإذا أضفنا إلى ذلك كله الأسلوب اللغوي المزخرف الذي كان يستخدمه كاتب المقامة، أدركنا إلى أي مدى كان المقامي متقنًا لفنه، ممسكًا بخيوطه بغاية الإحكام.
وأين هذا من بعض كتاب القصة الحاليين عندنا ممن يعانون من فقر المعجم، ورَكاكة الأسلوب والجهل بقواعد النحو والصرف، صحيح أن الذوق الأدبي قد تغير الآن، بيد أن هذا لا ينبغي يدفعنا إلى الافتئات على ذلك الفن وأصحابه، الذين كانوا في إبداعهم أبناء عصرهم الأوفياء.
أما الجَديدُ حقًّا الذي عرفه القصص العربي في العصر الحديث، ولم يكن له وجود في فيما خلفه لنا العرب القدماء في حدود ما نعلم، فهو رواية القصة على لسان عدة أشخاص من أبطالها، كل يراها من زاويته، ويفسر ما يراه تفسيرًا يختلف كثيرًا أو قليلًا عن تفسير الرواة الآخرين، وهذا الشكل الفني أساس فكرة النسبية التي أفرزها العصر الذي نعيش فيه.
ومن ذلك أيضًا طيار الوعي، وهو أحد مظاهر التأثر بالدراسات النفسية، ومن هذا الجديد كذلك المزج بين القصة والمسرحية، هذا المزج الذي تمثل في "بنك القلق" لتوفيق الحكيم، وسماه صاحبه "مسرواية" وإن لم ينتشر كما كان يرجى