ولم يكن محشوًّا بمعانٍ لا قومية ولا إنسانية؛ بل كان فارغًا، فملأت الصحافة فيه هذا الفراغ، ووصلته بالآداب الغربية وما فيها من دراسات في شئون الحياة وحقائق العلوم والمذاهب الفلسفية.
وأخذ يعبر هذا الأدب عن حاجاتنا في وضوح: الحاجات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل ما أردناه من إصلاح في الدين وغير الدين؛ بل لقد أوجد لنا صورًا أدبية جديدة لم يكن لنا بها عهد، من مثل المقالة والقصة، وسنعرض لهما في غير هذا الموضع.
وأثرت الصحافة في أدبنا أثرًا آخر لا يقل عن هذا الأثر أهمية، إلا أنه يتناول في هذه المرة الظاهر والثياب الخارجية؛ فقد كنا نستخدم أسلوبًا مسجعًا معقدًا بعقد البديع، وهو أسلوب كان يمكن أن يقبل في العصور السابقة حين كان الأدب يخاطب بيئة خاصة هي البيئة الأرستقراطية، أما اليوم فإن الصحف لا تخاطب بيئة بعينها ولا طبقات بعينها؛ وإنما تخاطب جماهير الشعب التي لا تعرف التعقيد؛ بل التي تَكْلَفُ بالبساطة والسهولة.
واضطر ذلك الكُتَّاب إلى أن يخلعوا عن أدبهم الثياب القديمة البراقة، ويعمدوا إلى ثياب أخرى طبيعية هي ثياب الأسلوب المرسل؛ حتى يفهم عنهم الجمهور ما يكتبون دون عناء أو مشقة. ومن الحق أن هذا الاتجاه أتاح لأدبنا مرونة واسعة؛ فقد أخذ الكُتاب يعبرون أحرارًا عما في أنفسهم غير متقيدين بسجع ولا بلون من ألوان البديع ولا بأي صورة من صور التكلف.
وليس هذا كل ما أحدثه اتجاه أدبنا إلى الجماهير عن طريق الصحف من آثار، أو بعبارة أدق: ليس هذا كل ما أحدثته مخاطبة الجماهير في أدبائنا من نتائج؛ فقد أصبح هذاالأدب في جملته اجتماعيًّا، لا يخاطب الأفراد ولا يعنَى بهم كما كان الشأن في القديم؛ وإنما يخاطب الجماهير ويعنَى بها وبمشاعرها وأحاسيسها.
لم يعد الأدباء يخاطبون بأدبهم ملوكًا وأمراء يتملقونهم ويرضونهم بما يكتبون وينظمون؛ بل أصبحوا يخاطبون الجماهير ويحاولون أن يرضوها وأن