ينالوا عطفها، فهي التي تمنحهم أرزاقهم عن طريق ما تشتري من صحفهم أو كتبهم. ورد ذلك إلى أدبنائنا حرياتهم، وإن كانت قد بقيت حينئذ قلة وخاصة من الشعراء تحاول استرضاء أمراء البيت العلوي؛ ولكن حتى هؤلاء الشعراء كانوا استرضاء الشعب المصري فيما يقدمونه إلى هؤلاء الأمراء من شعر، فيذكرون بعض الإصلاحات التي تمت في أيامهم، أو يثيرون عواطف دينية ووطنية في أشعارهم.
فحتى قصائد المديح التي كانت تُنظم في توفيق وعباس وغيرهما، كان أصحابها يفكرون في الشعب بجانب تفكيرهم فيمن يمدحونه، ويحتالون لذلك حيلًا كثيرة؛ حتى يقعوا من نفس الشعب موقعًا حسنًا، وحتى يظفروا برضاه وإعجابه. وعلى هذا النحو أصبح الشعب -الذي لم يكن يحفل به أدباؤنا من قبل ولم يكونوا يعنون به- موضعَ احتفالهم وعنايتهم، واتسع هذا الاحتفال، واتسعت تلك العناية في النثر، فأصبح شعبيًّا خالصًا أو كاد.
وجارت عليه هذه الشعبية بعض الجور، أو على الأقل: جارت على بعض جوانبه؛ فإن طائفة من الأدباء أسرفوا في تبسيط أساليبهم إلى درجة الابتذال؛ حتى يعجبوا الذوق المتواضع في الشعب وينالوا استحسانه. وقد يكون من أسباب ذلك السرعة في إنتاجهم، وهي سرعة يقتضيها عملهم؛ إذ يُلْزَمون بكتابة مقال أحيانًا بعد ساعات أو بعد لحظات، فلا يجوِّدون معانيهم ولا أساليبهم، ولا يحققون لمقالهم ما ينبغي من جمال وروعة فنية.
ومع ذلك لا تزال عندنا طبقة من أدبائنا الصحفيين تعنَى بأساليبها، وتحاول جاهدة أن تلائم بين ضرورات الصحافة وما يتطلبه الإنتاج الأدبي فيها من سرعة وبين الذوق الأدبي الرفيع، فهي لا تدنو إلى الطبقة الدنيا في الجمهور؛ بل تحاول أن ترتفع بها عن طريق معانيها الغزيرة، وأساليبها الرصينة.