وقصرها رفاعة الطهطاوي -حين أسندت إليه فيما بعد- على اللسان العربي. وكانت تشتمل بجانب الأخبار الحكومية على بعض الطرائف الأدبية، وكانت صحيفة رسمية لا تصور رأيًا عامًّا؛ بل إن الرأي العام المصري لم يكن قد تكوَّن بعد، ومن هنا كان نشاطنا الصحفي إلى أواسط القرن الماضي خامدًا.
حتى إذا كان عصر إسماعيل، واستأنفت مصر حياة عقلية نشيطة، أخذ الرأي العام يتكون بسراعة، وأخذت تتضافر عوامل مختلفة على النهوض بالصحافة؛ إذ عُنيت نظارة المعارف في عهد علي مبارك بإخراج مجلة روضة المدارس، وأشرف عليها رفاعة الطهطاوي، فوجهها نحو غايتين؛ هما: إحياء الآداب العربية، ونشر المعارف والأفكار الغربية الحديثة، وعاونه في ذلك جلة الأدباء والعلماء في عصره، فكانت المجلة تنشر مباحث طريفة في الأدب والعلم بفروعه المختلفة. وكانت تصدر بجانب هذه المجلة مجلة اليَعْسوب، وهي مجلة طبية أصدرها محمد البقلي وإبراهيم الدسوقي، وقد عملت على وضع المصطلحات الطبية والعلمية في العربية.
وفي أثناء ذلك نمت الحركة القومية في مصر، وأخذت سياسة إسماعيل السيئة تتضح للشعب، وخاصة حين رضي بتأسيس صندوق الدين وبالمراقبة الثنائية، وغضب الرأي العام على هذه السياسة التي توشك أن تحطم مصر تحطيمًا. وسُرعان ما أخذت الصحف السياسية طريقها إلى الظهور منذ هذا التاريخ من مثل وادي النيل لعبد الله أبي السعود، ونزهة الأفكار لمحمد عثمان جلال وإبراهيم المويلحي، والتنكيت والتبكيت وأختها الطائف لعبد الله نديم. ومن قبله أخرج يعقوب صنوع صحيفة "أبو نظارة" وهي أول جريدة سياسية هزلية ظهرت بمصر، وكان ينقد فيها سياسة إسماعيل نقدًا مُرًّا.
وتصادف أن نزحت إلى مصر طوائف السوريين واللبنانيين الذين سبق أن تحدثنا عنهم، فأسهموا مساهمة قوية في هذه النهضة الصحفية الشعبية، وصدر كثير منهم عن نفس المشاعر الوطنية التي صدر عنها المصريون في صحافتهم، على نحو ما صنع أديب إسحاق في جريدته "مصر" التي كانت تنطق عن رغبات