بعضها وبعض. وقديمًا كانت طرق المواصلات صعبة، وكانت بطيئة بطئًا شديدًا؛ إذ لم تكن هناك وسيلة سوى ظهور الإبل والخيل، وكان الكاتب في القاهرة إذا ألف كتابًا قلما عرفه المقيم في الإسكندرية إلا بعد مضي شهور أو سنين، فما بالك بمن يؤلف كتابًا في بغداد بعيدًا عن مصر والمصريين؛ بل ما بالك بمن ينشر من المستشرقين كتابًا عربيًّا في أوربا، إننا قلما نسمع به أو نعرف عنه شيئًا إلا بعد أزمان متطاولة. أما في هذا العصر فقد سَهُلت المواصلات في الأرض وعن طريق البحر والجو، وإذا أُلِّف كتاب في أوربا أو في العراق أمكن أن يصل بعد أيام أو ساعات معدودة إلى القاهرة.
وكل ذلك عمل على إشاعة الآثار المطبوعة في مصر، لا ما طُبع فيها وحدها؛ بل ما طبع أيضًا في الشام والعراق وغيرهما من البلدان العربية؛ بل إن ما يطبع في أوربا يصلنا في سرعة خاطفة، فقد ألغيت المسافات وخاصة في هذا القرن الذي نعيش فيه، قرن التبادل الثقافي بأوسع ما تدل عليه هذه الكلمة.
فالمطبعة بالوسائل الحديثة في النشر، وبما أذاعت من أدبنا القديم، وما تذيع من الأدب الغربي بيننا مترجمًا وفي لغاته -أحدثت آثارًا كبيرة في حياتنا الأدبية، أقل ما يقال فيها: إنها وسعت دوائر الثقافة عندنا إلى أبعد الحدود.
ومن أهم آثارها بجانب إذاعة الكتب ونشرها بطريقة سهلة إصدارُ الصحف وإذاعتها في طبقات الشعب المختلفة، وكانت أوربا قد عرفت الصحف واتسعت فيها منذ القرن السابع عشر، وهيأت الناس هناك لرأي عام يعلن عن نفسه بما يظهر من رضا وسخط على الحكومات. وما لبث هذا الرأي أن ثار في فرنسا على الأرستقراطية الملكية وما يتصل بها، فكانت الثورة الفرنسية المعروفة.
ولما نزلت الحملة الفرنسية في مصر كانت تصدر صحيفتين هما العشار المصري La decade صلى الله عليه وسلمgyptienne وبريد مصر Le courrier de l'صلى الله عليه وسلمgypte ولكنهما استخدمتا اللسان الفرنسي، فلم يكن لهما أثر في الشعب المصري. ولما ولي محمد علي صدر "جرنال الخديوي" وتحول هذا "الجرنال" في سنة 1828 إلى جريدة الوقائع المصرية، وكانت تصدر في أول أمرها باللسانين العربي والتركي،