عُرفت المطبعة في أوربا منذ القرن الخامس عشر، وطبع الأوربيون بها الكتب العربية -أو أخذوا يطبعونها بها- منذ القرن السادس عشر، وعنهم نقلتها تركيا في القرن السابع عشر، كما نقلتها سوريا في القرن الثامن عشر. أما مصر فظلت لا تعرفها، حتى كانت حملة نابليون، فنقلتها إليها واستخدمتها في منشوراتها.
ولم تلبث هذه المطبعة العربية أن غادرت مصر مع الحملة، حتى إذا كان عهد محمد علي أنشئت مطبعة بولاق المشهورة، ولما أخذ الرأي العام المصري يتكون، وأنشت صحف مختلفة تعبر عنه؛ عظمت الحاجة إلى هذا الفن الأوربي الجديد؛ فكثرت المطابع، وانتشرت في مصر والإسكندرية، ثم في عواصم القطر المصري المختلفة، وهي تعد اليوم بالمئات.
وعمد المشرفون على مطبعة بولاق منذ تأسيسها إلى طبع الكتب العربية والتركية، كما كانوا يطبعون بها صحيفة الوقائع المصرية، ولا نتقدم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى تكثر المطابع، ويكثر طبع الكتب العربية القديمة ودواوين الشعر العباسية وغير العباسية.
وكان لذلك تأثير واسع في حياتنا الأدبية؛ فإن أدباءنا اطلعوا من هذه الكتب والآثار القديمة على مُثل ونماذج في الأدب العربي لم يكونوا يعرفونها؛ إذ كان كل ما يعرفونه من ذلك الآثار القريبة منهم المملوءة بالسجع وألوان البديع، فلما طبعت لهم كليلة ودمنة لابن المقفع وكتابات الجاحظ وابن خلدون وغيرهم كما طبعت لهم دواوين أبي تمام وأبي نواس والمتنبي وأضرابهم رأوا أساليب جديدة، أما في النثر فرأوا أساليب مرسلة خالية من التكلف والصناعة، وأما في الشعر فرأوا نماذج بسيطة ليس فيها عقد البديع وكُلَفُه.