وفي فهارس دار الكتب المصرية ما يصور هذا النشاط. ومن غير شك، كانت هذه الروايات المترجمة والمعربة تغير في ذوق الجمهور، وتصله بالآداب الأوربية، وتعده لكي يقتحم ميادينها مؤلِّفًا كما اقتحمها مترجمًا ومعربًا.
ونمضي في القرن العشرين، فإذا الاحتلال الإنجليزي جاثم على صدر مصر، ومع ذلك تزداد موجة هذه الترجمة حِدَّة وشِدَّة، كما تزداد قابلية اللغة العربية لإساغة الآداب الغربية وهضمها وتمثُّلها تمثلًا دقيقًا. وكل ذلك بفضل هؤلاء الأعلام الذين بدءوا الترجمة في القرن الماضي ومرَّنوا لغتنا تمرينًا هائلًا على نقل الأفكار والمشاعر الأوربية.
ولا نكاد نتقدم في هذا القرن حتى تُجْمَع تبرعات ضخمة لتأسيس الجامعة المصرية، وتفتح هذه الجامعة أبوابها في عام 1908، وتُلْقَى بها محاضرات في الأدب والتاريخ والفلسفة، يلقيها أساتذة مصريون وأوربيون من المستشرقين أمثال جويدي ونالينو.
وفي هذا ما يدل على أن مصر انتقلت في حياتها العقلية نقلة كبيرة، فهي لا تدرس العلم والأدب الغربي لإنشاء جيش أو طبقة من موظفي الدواوين أو معلمي اللغات في المدارس؛ وإنما تدرسهما من أجل أنفسهما، فلا غاية وراءهما سوى البحث الحر والمتعة بهذا البحث متعة خالصة، متعة تعلو على الغايات الحكومية واليومية التافهة.
واستجابت مصر -أو استجاب شباب مصر- لهذا الطموح الكبير الذي راود جلة المصريين ممن فكروا في تأسيس هذه الجامعة؛ أمثال: مصطفى كامل، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ولطفي السيد. ولم تلبث الجامعة أن أرسلت بطلابها إلى أوربا لاستكمال البحث والدرس، فدخلوا ميادين العلوم والآداب هناك بقوة ورُوح عظيمة.
ونشطت حركة البعوث لا في الجامعة وحدها؛ بل أيضًا في وزارة المعارف حينئذ، وكان جيل من مدرسة المعلمين العليا أخذ ينبعث عن نفس الطموح ونفس الآمال في تثقيف نفسه ثقافة واسعة بالآداب الغربية. واتجه بعض المصريين المثرين