مستلهمًا في ذلك قصة أهل الكهف التي وردت في القرآن الكريم، وما تشير إليه من أن سبعة دخلوا أحد الكهوف فماتوا، وظلوا في موتهم ثلاثمائة سنة وازدادو تسعًا، ثم بُعثوا من رقادهم، فكانوا معجزة خارقة في مدينتهم.

فألهمت هذه القصة المويلحي أن يختار بطل قصته أحمد "باشا" المنيكلي ناظر الجهادية الذي تُوفي سنة 1850. فبينما كان عيسى بن هشام يطوف بالمقابر في ليلة قمراء مستعبرًا مفكرًا في سُنَّة الموت والحياة إذا به يخرج عليه من أحد القبور هذا الدفين، ويكون بينهما حوار يعرف منه عيسى بن هشام حقيقته وهويته. ويعود معه إلى القاهرة، ويرافقه في رحلة كبرى بعالم الأحياء المصري في فترة الاحتلال. ويلاحظ المنيكلي أن كل شيء قد تغير في هذا العالم بالقياس إلى ما كان في عصره زمن محمد علي، فقد أصبح المصريون يعيشون في عالم جديد، هو خليط من نظم تقليدية ونظم غربية، وهو عالم مليء بالعيوب الخلقية والاجتماعية.

وتتوالى علينا مشاهد القصة، فمن وصف للمُكارين إلى وصف لرجال الشرطة ووصف للمحاكم على اختلاف أنواعها، ومن وصف لحياة الحكام والتجار والأغنياء ومباذلهم إلى وصف لدور اللهو والتمثيل، وفي أثناء ذلك يوصَف ما في الحياة الحديثة من تقدم في العمران وفي العلم وخاصة الطب. ويكاد الإنسان يظن أن المويلحي لم يترك جانبًا من حياتنا حينئذ إلا تناوله بالوصف والنقد، ويسوق ذلك في سخرية مرة تصور ضعف المصريين وانقيادهم لأهوائهم وملذاتهم.

والمويلحي يرسم في تضاعيف ذلك بعض الشخصيات رسمًا بارعًا، ومن بديع رسومه رسم "العمدة" الذي يُبْرز فيه ثراءه وغفلته حين ينزل القاهرة، فيُلم به بعض السماسرة وبعض القوَّادين، ويُغْوونه، ويخدعونه عن ماله وشرفه، فإذا هو يسقط سقوطًا مزريًا في ملذاته. وبنفس البراعة والمهارة في رسم الشخصيات وتحليل طباعها يرسم "المحامي الشرعي" الذي قصده المنيكلي مع عيسى للمطالبة بوقف له، ويدور الحوار بين المحامي وعيسى على هذا النحو:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015