وقد اختار لرحلته الأسلوب المسجوع.

كان هذا هو المثال الوحيد أمام المويلحي، فرأى أن ينتفع به في قصته؛ ولكن مع هدف جديد، فإن رحلة علي مبارك كُتبت قبل عصر الاحتلال، ولم تكن قد برزت مشاكلنا الاجتماعية على ألسنة المصلحين من مثل: محمد عبده وقاسم أمين، وأيضًا لم نكن قد اندفعنا اندفاعًا شديدًا في تقليد الحضارة الغربية المادية، فقد أخذ الاتصال بيننا وبين أوربا يشتد بعد الاحتلال، وأخذ كثيرون منا يقلدون الغربيين حتى في العادات بدون ملاحظة ما بيننا وبين القوم من أسوار فاصلة في المشارب والأذواق.

وإذن فليتغير هدف القصة، فلا يكون تعليميًّا كما هو الشأن في "علم الدين"؛ بل يكون إصلاحيًّا في ضوء ما يكتبه المصلحون من أمثال: النديم وقاسم أمين ومحمد عبده، وفي ضوء ما يُكْتَب عن تطرفنا في استيراد المدنية الغربية.

ولكن كيف توضع هذه القصة وفي أي إطار؟ إن المويلحي محافظ، وقد رأيناه يأخذ على شوقي محاولته التجديد على أسس النماذج الغربية، فليبحث لقصته عن إطار عربي خالص، حتى لا يخرج على ذوقه ولا على ذوق أمثاله من المحافظين المتعصبين الذين يأبون محاكاة النماذج الأدبية الغربية. وفكر في ذلك طويلًا، وسرعان ما هداه تفكيره إلى إطار المقامة الذي صنعه بديع الزمان، وهو إطار يقوم على راوٍ يسمى عيسى بن هشام، يصف طائفة من الحِيَل لأديب متسول يسمى أبا الفتح الإسكندري، وكل حيلة تسمى مقامة، وفي كل مقامة يظهر هذا الأديب براعته البيانية بما يصوغ من أسلوب مسجوع، كان يعد تُحْفَة التحف في عصورنا الوسطى.

ورأى المويلحي أن يتخذ لقصته هذا الإطار. فراوي قصته هو نفس راوي مقامات بديع الزمان؛ ولذلك سماها حديث عيسى بن هشام؛ ولكن بطل بديع الزمان أديب متسول، فهل يكون بطل المويلحي على نمطه أديبًا متسولًا؟ لقد رأى أنه إن صنع ذلك لن تتاح له الفرصة لكي يُلم بما يريد من موضوعات اجتماعية، وفكَّر، وهداه تفكيره إلى أن يتخذ بطله من جيل سابق لجيله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015