لبيئته، واتخذها ينبوعًا لأفكاره وتحول فيها بتأثير أستاذه محمد عبده إلى مصلح اجتماعي، فهو يردد آراء المصلحين من حوله، ويؤديها بلغته التي تأسر السامع وتَخْلُب لُبَّه.

وارجع إلى النظرات فستراه يتحدث في عيوب المجتمع وما يشعر به من مساوئ الأخلاق مثل: القمار والرقص والخمر وسقوط الفتيان والفتيات، فيتساءل: أين الشرف وأين الفضيلة؟ ويحس أن بعض ذلك جاءنا من المدنية الغربية، فيصب عليها جام غضبه. ويدور بعينه في بيئته فيرى كثرة المصابين بعاهة الفقر والبؤس فيبكي ويستغيث. ويكتب في الغنى والفقر، ويدعو إلى الإحسان والبر بالضعيف العاجز ويصوِّر أكواخ الفقراء وما هم فيه من مهانة وذلة، ويدعو دعوة حارة إلى التمسك بالفضائل من مثل الوفاء، وينادي: الرحمة الرحمة! ومن قوله في مقال بهذا العنوان:

"ليتك تبكي كلما وقع نظرك على محزون أو مفئود1، فتبتسم سرورًا ببكائك واغتباطًا بدموعك؛ لأن الدموع التي تنحدر على خديك في مثل هذا الموقف إنما هي سطور من نور تسجل لك في صحيفتك البيضاء أنك إنسان. إن السماء تبكي بدموع الغمام، ويخفق قلبها بلمعان البرق، وتصرخ بهدير الرعد، وإن الأرض تئن بحفيف الريح وتضج بأمواج البحر، وما بكاء السماء ولا أنين الأرض إلا رحمة بالإنسان. ونحن أبناء الطبيعة فلنجارها في بكائها وأنينها. إن اليد التي تصون الدموع أفضل من اليد التي تريق الدماء والتي تشرح الصدور أشرف من التي تَبْقُرُ البطون، فالمحسن أفضل من القائد، وأشرف من المجاهد، وكم بين مَن يحيي الميت ومن يميت الحي؟

إن الرحمة كلمة صغيرة؛ ولكن ما بين لفظها ومعناها من الفرق مثل ما بين الشمس في منظرها والشمس في حقيقتها. وإذا وجد الحكيم بين جوانح الإنسان ضالته من القلب الرحيم وجد المجتمع ضالته من السعادة والهناءة. لو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولا عارٍ ولا مغبون ولا مهضوم، ولأقفرت الجفون من المدامع، ولاطمأنت الجنوب في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015