القصة:
ليست القصة جديدة على أدبنا كل الجدة، ففي الأدب الجاهلي قَصَصٌ كثير يدور على أيام العرب وحروبهم. وفي القرآن الكريم قصص مختلف عن الأنبياء ومن أرسلوا إليهم، وقد تُرْجم في العصر العباسي كثير من قصص الأمم الأجنبية، ومن أشهر ما ترجم حينئذ كتاب كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة.
ولكن يلاحظ أن القَصص العباسي وما خلفه من قَصَص عند الشعوب الإسلامية اتخذ اللغات العامية غالبًا لسانًا له، ولم يدخل منه في أدبها الكبير: الأدب العربي الفصيح سوى المقامات، وهي قصص قصيرة تصور مغامرات أديب متسول يخلب سامعيه بحضور بديهته وبلاغة عباراته. وفي الحق أن بديع الزمان مخترعها ومَن جاءوا بعده مثل الحريري لم يفكروا في صنع قصة حقيقية أو أقصوصة؛ إنما فكروا في غرض تعليمي هو جمع طوائف من الأساليب المنمقة الموشاة بزخرف السجع والبديع.
وبذلك انقطع الطريق بين القصة الطويلة وبين العربية الفصيحة، فلم تدخلها؛ إنما دخلت في اللغات الدارجة، وشاركتْ لغتنا العامية في هذا النشاط؛ بل لقد سارعت إليه وحاولت أن تتفوق فيه. ويتضح ذلك من كثرة القصص المصرية في قصصنا الشعبي الوسيط، فقد ألفنا قصة عنترة وقصة الهلالية وقصة الظاهر بيبرس وذات الهمة وسيف بن ذي يزن وفيوز شاه. ومَصَّرنا ألف ليلة وليلة فكتبناها بعاميتنا، أو صُغْناها بها، وأضفنا إليها قصصًا جديدة مثل قصة علي الزيبق وأحمد الدنف.
فكان لنا في العصور الوسطى قَصَصٌ شعبي، ولكن لم يكن لنا قصص فصيح. ولما اتصلنا بأوربا وأخذنا نتأثر بآدابها اتجه أدباؤنا إلى القصص الغربي، وحاولوا أن يترجموه، وكان رفاعة الطهطاوي هو الرائد لهذه الحركة، فترجم "مغامرات تليماك" لفنلون وسماها "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك". ولعل في نفس العنوان وتغييره إلى هذه الصورة المسجوعة ما يدل على عمل رفاعة