في ترجمته، فإنه نقل القصة إلى أسلوب السجع والبديع المعروف في المقامات، ولم يتقيد بالأصل الذي ترجمه إلا من حيث روحه العامة، أما بعد ذلك فقد أباح لنفسه التصرف فيه. تَصَرَّفَ في أسماء الأعلام، وتصرف في المعاني، فأدخل فيها آراءه في التربية وفي نظام الحكم، كما أدخل الأمثال الشعبية والحِكَم العربية.
فلم يكن رفاعة مترجمًا فحسب؛ بل كان ممصرًا للقصة، واستمر هذا التمصير طويلًا من بعده، حقًّا أخذ أدباؤنا يتحررون من لغة السجع والبديع، ومعنى ذلك: أنهم ملكوا من وسائل التعبير ما لم يكن يملكه رفاعة ومعاصروه؛ ولكنهم ظلوا يميلون إلى التمصير فيما يترجمون من قصص، حتى تقترب من ذوق القارئين؛ بل إن منهم من آثر التمصير إلى اللغة العامية مثل محمد عثمان جلال. ولكن الممصِّرين من أصحاب الفصحى هم الذين رجحت كفتهم، ومن أشهرهم في أوائل هذا القرن حافظ إبراهيم والمنفلوطي، وقد ترجم أولهما البؤساء لفيكتور هيجو، وبعبارة أدق: مصرها تمصيرًا، فإنه لم يحتفظ منها إلا بالخطوط الأساسية، أما بعد ذلك فقد أباح لنفسه التصرف في الترجمة وإضافة فقرات ليست في الأصل. وربما كان عمل المنفلوطي في التمصير أوسع من عمله، فإنه لم يكن يعرف شيئًا من اللغة الفرنسية؛ وإنما اعتمد على نفر قرءوا له بعض القصص مثل "بول وفرجيني"، وحاول أن يؤدي ما سمعه منهم في اللغة العربية، فكانت قصة "الفضيلة"، ومثلها القصص الأخرى التي نشرها، وكلها تكاد تفقد الصلة بالأصل، كما تفقد حبكته القصصية، فليس الغرض الأول القصص؛ وإنما الغرض تصوير الانفعالات العاطفية والاسترسال في أسلوب بليغ.
على أننا لا نكاد نتقدم في هذا القرن حتى يستجيب بعض أدبائنا إلى هذا الفن الغربي، ويحاولوا أن يحدثوا فيه نماذج لهم، وسبق أن تحدثنا عن محاولتين: محاولة في إطار المقامة هي حديث عيسى بن هشام، ومحاولة جديدة خالصة هي محاولة زينب لمحمد حسين هيكل، والمحاولة الثانية هي التي تعد بحق أول محاولة كاملة لنا في صنع قصة بالمعنى الغربي الحديث. وتلتها بعد سنوات محاولة