وكانت ترافق هذه المقالة السياسية منذ نشأتها المقالة الأدبية التي تتناول شئون الأدب والثقافة، ولم تلبث أن أُفْردت لها مجلات خاصة أسبوعية أو شهرية مثل: المقتطف والهلال، وعلى طول السنين في هذا القرن تنشأ مجلات مختلفة مثل: السياسة الأسبوعية والبلاغ الأسبوعي والرسالة والثقافة.

وكان لهذا النوع من المقالة تأثير واسع جدًّا في حياتنا الأدبية في مصر والبلاد العربية. ويمكن أن نلاحظ فيها نفس الدورات الثلاث التي لاحظناها في المقالة السياسية، فهي تنشأ في القرن الماضي نشأة ساذجة، ثم تأخذ في التطور، ولا نصل إلى الجيل الثاني حتى نراه يودع فيها ما قرأه عند الغربيين في الأخلاق والاجتماع وشئون الفكر المختلفة. وقد عُنيت المقتطف منذ ظهورها في أواخر القرن بالحركة العلمية عند الغربيين وتصوير نظرياتها للجمهور المصري الخاص والجمهور العربي العام.

ولا نتقدم إلى الجيل الثالث -جيل هيكل والعقاد وطه حسين والمازني- حتى تصبح المقالة الأدبية أثرًا فنيًّا قيمًا حقًّا، فهي تمس القلوب وتثير العواطف، وقد اتسعوا بها إلى مباحث عميقة في الأدب والنقد والفنون الجميلة والنظريات الفلسفية والاجتماعية، مستهدين في ذلك بالمثل الإنسانية العليا مُثل الخير والحق والجمال. وسار في هذا الطريق غير كاتب من مثل توفيق الحكيم وغيره، ممن نقلوا إلينا في مقالاتهم روح الفكر الغربي ومذاهبه الاجتماعية والأدبية. ولم يدعوا مقالاتهم تفنى مع الصحف؛ بل جمعوها وطبعوها في كتب مختلفة حتى يتيحوا لها شيئًا من البقاء.

ولا بد أن نشير هنا إلى مقالات مصطفى صادق الرافعي وأحمد أمين الاجتماعية، وهي تمتاز عند أولهما باستبطان عقلي واسع ساعد عليه صممه المبكر، بينما تمتاز عند الثاني بمحصول فكري وافر ساعدت عليه ثقافته الواسعة، وهو فيها ينقد أحيانًا يعض جوانب المجتمع؛ ولكنه لا ينقدها في سخط عنيف، شأن الخطيب أو الواعظ، وإنما ينقدها في حديث هادئ ممتع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015