من الانفعال؛ ولكن في وقار ورصانة، وقد شفع مقالاته السياسية بمقالات إصلاحية في الدين والمجتمع الإسلامي، كتبها بقلم البصير الحاذق، محمسًا تارة، ودارسًا فاحصًا تارة ثانية.
وأخذ هذا اللون من المقالات ينمو مع نمو عقلنا ويرقى مع رقيه، وبَوْنٌ واسع بين مقالات هذا الجيل الأول والجيل الذي تلاه في عصر الاحتلال، من مثل مصطفى كامل والشيخ علي يوسف ولطفي السيد، فقد بث هذا الجيل الثاني في المقالة السياسية حياة وقوة. ومما لا شك فيه أن أقوى شيء قاومنا به الاحتلال البريطاني هو مقالات مصطفى كامل في صحيفة "اللواء" التي شحذت عزائمنا لمناهضة الاحتلال ومصارعته، وهو بحق زعيم حركتنا القومية في عصره غير مدافَع؛ إذ كان شعلة وطنية متقدة، وكان خطيبًا مفوهًا وكاتبًا سياسيًّا لا يشق غباره، فانبرى يوقظ فينا وعينا القومي صائحًا في سمعنا وسمع العالم الأوربي كله صيحاته المدوية في الحرية والاستقلال والحياة الكريمة. وكان الشيخ علي يوسف في صحيفة "المؤيد" يدافع دفاعًا حارًّا بقلمه الرصين عن الإسلام والشرق موغرًا صدورنا على الإنجليز الغاشمين، بينما كان لطفي السيد في "الجريدة" يدعو إلى تربية الشعب تربية قويمة حتى ينتزع حقوقه من المعتدين الآثمين. وكان بجانبهم مصطفى لطفي المنفلوطي الذي اشتهر في مقالاته الاجتماعية بأسلوبه العاطفي الفريد، وببث معاني الرحمة والفضيلة ووصف بؤس البائسين.
ولا نصل إلى الدورة الثالثة أو إلى الجيل الثالث الذي خلف هذا الجيل الثاني وهو الجيل الذي نشأ بعد الحرب الأولى في هذا القرن حتى تنشط المقالة السياسية عندنا نشاطًا واسعًا، وكان مما ضاعف هذا النشاط نشوء الأحزاب السياسية بعد تصريح 28 من فبراير 1922 وتعاركها عراكًا عنيفًا، ولعل خير من يمثل هذا الجيل: أمين الرافعي وعباس العقاد ومحمد حسين هيكل وعبد القادر حمزة وطه حسين وإبراهيم عبد القادر المازني، أولئك الذين كانوا يخلبون قلوبنا بمقالاتهم السياسية، وهي تختلف باختلاف شخصياتهم ومقدراتهم البيانية.