كاتب وخاصة في المجال السياسي والصحفي، وكذلك خرَّجت كلية الآداب غير متفلسف، وكنا في أول القرن لا نَحْظَى بمتفلسف سوى لطفي السيد الذي عُني بفلسفة أرسططاليس، أما اليوم فعندنا جمهور كبير لا يقف بدراسته عند أرسططاليس ولا عند الفلسفة اليونانية؛ بل يمد دراسته حتى تشمل كل الإنتاج الفلسفي الأوربي والأمريكي. وأخذنا نحيط إحاطة دقيقة بنظريات علم الاجتماع وعلم النفس الحديثة وما يقال في الشعور واللاشعور أو العقل الباطن.
ولا يكتفي علماؤنا والمثقفون منا بالتأليف؛ بل يضيفون إلى ذلك ترجمة الفكر الغربي بجميع ألوانه وصوره. ويأخذ هذا العمل الخصب في ثقافتنا شكل سيول متدفقة، تنحدر إلينا من كل صوب. ويستوفي المجال الأدبي من ذلك حظوظًا واسعة، فقد أقبل أدباؤنا يترجمون عيون الأدب الغربي، وينقلون آثار القوم نقلًا واسعًا، وقلما فاتهم كاتب أو شاعر غربي دون أن ينقلوا بعض أعماله، وللرعيل الأول مثل: المازني وخليل مطران وطه حسين وأحمد حسن الزيات في ذلك جهد مشكور، وقد جاءت في إثرهم جهود واسعة قام بها الشباب الذي أتقن اللغات الأجنبية في جامعاتنا؛ إذ حملوا على عاتقهم هذا العبء وأدوه أداء يستحق الثناء، وإنهم ليتراءون في شكل صفوف تنقل من جميع اللغات الأوربية: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية، وكأنما تعهدوا ألا يتركوا أثرًا غربيًّا جليلًا دون أن ينقلوه. ولم يقفوا عند نقل آثار بعينها لأدباء الغرب، فقد نقلوا جوانب من تاريخ القوم الأدبي العام، وبسطوا مذاهبهم الأدبية من كلاسيكية ورومانسية وواقعية إلى رمزية وسريالية وطبيعية. وتنهض معهم بهذا الجهد الخصب البلاد العربية وخاصة لبنان، فلها عمل واسع في هذا الاتجاه.
على كل حال، أساغ شبابنا في هذه المرحلة الأخيرة من أدبنا الحديث الآداب الغربية وتمثلوها خير تمثيل وأذاعوها بيننا في صورها وفنونها المختلفة؛ بل لقد فتحوا لنا أبوابها على مصاريعها، ولم يعد بين أدبنا وآداب القوم أيُّ فاصل