وهو تطور ملأ عقولنا ونفوسنا بصور جديدة دفعت أدبنا المصري دفعًا إلى ما يشبه الانقلاب، وتستطيع أن تعود إلى التيارين اللذين يؤلفان ثقافتنا وأدبنا، وهما: التيار العربي القديم والتيار الغربي الحديث؛ لترى مدى عملهما في حياتنا الأدبية.

أما التيار الأول فقد أخذنا ننظمه ونخضعه لمناهج الأوربيين من المستشرقين الذين سبقونا إلى نشر تراثنا نشرًا علميًّا، وكانت تعوزهم الحاسة اللغوية الدقيقة، ولم نلبث أن اصطنعنا مناهجهم وأقبلنا على إحياء نصوصنا القديمة بسليقتنا العربية الموروثة، وأخذنا في نقدها وعرضها وتحليلها، وقرَّبناها من نفوس المثقفين وقلوبهم وعقولهم.

وعلى هذا النحو أصبحنا نستغل هذا التيار القديم بأوسع مما استغله أسلافنا في القرن الماضي وفي أوائل هذا القرن، فقد تملَّكنا حياة القدماء من شعراء وكُتَّاب، وأصبحنا نحسها كما كانوا يحسونها، ونتأثر بها في حياتنا الأدبية تأثرًا عميقًا.

أما التيار الغربي، فكان تأثيره في هذه الحياة أعمق وأعنف؛ لسبب بسيط؛ وهو أن الجامعات المصرية نظمت حياتنا العقلية تنظيمًا واسعًا، فنشأت أجيال متخصصة في كل فرع من فروع العلم الغربي والأدب الغربي قديمه وحديثه.

وأول ما نتج عن ذلك أن العربية أصبحت لسانًا لكثير من ألوان العلم الأوربي، وظهرت بيننا من العلماء طبقة تحسن التعبير العلمي، وتضيف إليه بفضل نمو التيار العربي إحسانًا واسعًا للتعبير الأدبي. وبذلك التحم عندنا الأدب بالعلم ولم يعد لشكوى سلامة موسى في مقاله ضد الرافعي موضع، فقد أصبح عندنا جيل من الأدباء يتخصص في العلم، فمنهم الطبيب مثل إبراهيم ناجي وأبي شادي وكامل حسين، والمهندس مثل علي محمود طه، والرياضي مثل علي مصطفى مشرفة، والكيميائي مثل أحمد زكي، والجغرافي مثل محمد عوض محمد. فلم يعد أدبنا منفصلًا عن الثقافة العلمية؛ بل أصبح يتعاون معها تعاونًا واسعًا.

وقل مثل ذلك في القانون وفي الفلسفة، فقد خرَّجت كلية الحقوق غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015