من القطارات والسيارات. ومعنى ذلك: أن صورًا من حياتنا المادية القديمة تزول ويحل محلها صور غربية جديدة، ويتسع احتلال هذه الصور في حياة أهل المدن وبين الطبقات المثقفة. فحياتنا المادية قد تغيرت فعلًا تحت تأثير الحياة المادية الأوربية، وأصبحنا ندركها ونفهمها على أنحاء جديدة لم يعرفها الآباء والأسلاف إلا معرفة محدودة.
وأعمق من ذلك ما حدث في حياتنا المعنوية، فقد أنشأنا البرلمان وأخذنا نعيش في سياستنا على الطريقة الأوربية الديمقراطية، فنشأت الأحزاب، كما أخذنا نعيش في قضائنا وفي اقتصادنا على النمط الأوربي. وكذلك الشأن في حياتنا العسكرية وأسلحتها ونظمها الحديثة؛ بل لا نغلو إذا قلنا: إن حياتنا المعنوية على اختلاف صورها ومظاهرها تجري عندنا الآن منذ نهاية الحرب الأولى في هذا القرن على الطريقة الغربية.
وقل مثل هذا أو أكثر منه في حياتنا العقلية، فقد عملنا على نشر التعليم بين جميع الطبقات، وأنشأنا جامعة القاهرة، وفتحنا بجانبها ثلاث جامعات: جامعة عين شمس، وجامعة الإسكندرية، وجامعة أسيوط، ثم الجامعات الإقليمية.
ولم نأخذ في هذا التعليم بمناهجنا الموروثة؛ بل تركناها إلى المناهج الغربية الحديثة، كما تركنا علمنا الموروث إلى العلم الغربي الحديث، وقام على ذلك صفوة من الأساتذة المصريين في الجامعات يعاونهم صفوة من العلماء الغربيين.
وقد أقبلنا إقبالًا لا عهد لنا به على تعلم اللغات الأجنبية المختلفة، فنحن الآن لا نتعلم الإنجليزية أو الفرنسية فقط كما كان الشأن في أول القرن؛ بل أصبحنا نتعلم الألمانية والإيطالية والإسبانية، وأصبحنا ندخل إلى أوربا من جميع أبوابها ودروبها اللغوية، لا تمييز بين باب وباب ولا بين درب ودرب؛ بل لقد أصبح بين علمائنا من يحاضرون في الجامعات الأوربية والأمريكية، ويشاركون في التراث العقلي الإنساني مشاركة فعالة.
وكل هذا معناه: أن حياتنا العقلية تطورت تطورًا واسعًا لم نألفه من قبل،