وشعر بها دون أن يخضع لفرد من الأفراد مهما كان شأنه.
وشيء آخر أتى من تحول الكاتب إلى الجماعة الكبرى جماعة الأمة، فإنه أخذ يُرضي هذه الجماعة وشعورها وذوقها، مما كان سببًا في نشوء رأي أدبي عام يعلن رضاه وسخطه على حياتنا الأدبية. وتحت تأثير هذا الرأي تطور أسلوب النثر وتحرر من أغلال السجع والبديع كما قلنا آنفًا.
وشيء أعمق من هذا كله وأبعد أثرًا في حياتنا الأدبية في أثناء النصف الثاني من القرن الماضي، فإن أدبنا أخذ يُعْنَى بتصوير الجماعة وتصوير ميولها السياسية وغير السياسية؛ لسبب بسيط؛ وهو أن الأدباء تحولوا إلى الجماعة يخاطبونها ويقدمون أدبهم إليهم، فكان لا بد أن يخاطبوها في شئونها التي تهمها وحياتها التي تعيشها أو تريد أن تعيشها.
ونحن لا نصل إلى عصر إسماعيل حتى يتكامل وَعْيُ هذه الجماعة، وحتى تريد أن تنال حقوقها السياسية المسلوبة، وقد أخذت تنظر في جوانب حياتها المختلفة سياسية وغير سياسية، وتطمح إلى إصلاحها من جميع أنحائها. وكان من أهم ما فكرت فيه الدين نفسه وأممه وخلافته العثمانية التي ترمز إليه، والتي كان لهم سلطان شرعي في مصر وغير مصر من الأقطار الإسلامية.
ولم يلبث الأدباء أن لبوا هذه الغايات الشعبية عند الأمة، فأصدر عبد الله أبو السعود صحيفة "وادي النيل"، وأصدر إبراهيم المويلحي جريدة "نزهة الأفكار". وصدرت جريدة "الوطن". وأخذ السوريون واللبنانيون المهاجرون إلى مصر يشاركون في هذا النشاط الصحفي؛ فأصدر أديب إسحاق وسليم نقاش صحيفة "مصر"، وأصدر سليم وبشارة تقلا "صحيفة الأهرام"، وسليم الحموي "الكوكب الشرقي"، وسليم عنحوري "مرآة الشرق"، وتنحى عنها فتولى تحريرها إبراهيم اللقاني. وبجانب ذلك أصدر يعقوب صنوع صحيفته "أبو نظارة"، كما أصدر عبد الله نديم صحيفته "التنكيت والتبكيت"، وحين اشتد الحماس الوطني قُبيل ثورة عرابي حوَّلها سياسية ثائرة وسماها "الطائف".
وهذه الصحف المختلفة كانت تصور عواطف المصريين السياسية، وتنادي