بالإصلاح في الأداة الحكومية قبل أن يستفحل الخطب ويتفاقم الأمر، فإن الأوربيين فرضوا على إسماعيل رقابة مالية، ورقابة المال تؤدي إلى رقابة الحكم. وأخذت صحفنا تنقد الحاكم وتندِّد بسياسته السيئة، وسُرعان ما تحولت ثائرة عليه ثورة غاضبة.
واقترن بهذه العواطف السياسية المتأججة في نفوس المصريين عاطفة دينية قوية تدعو إلى إصلاح الدين وتنقيته مما أَلَمَّ به من خرافات. ولم يلبث الشيخ محمد عبده أن مزج بهذه الدعوة دعوة عامة إلى إنقاذ الإسلام والمسلمين مما حل بهم من تأخر واضمحلال، وفكر في وطنه وما أصابه من جَوْر حكامه وسوء أحواله الاجتماعية.
ومما لا شك فيه أن جمال الدين الأفغاني هو الذي دفع الشيخ محمد عبده دفعًا قويًّا في هذا الاتجاه؛ إذ كان يلزمه في بيته وفي غَدواته وروحاته، وهو يلقي دروسه الدينية والفلسفية، داعيًا إلى الإصلاح السياسي والديني والاجتماعي، ومهيجًا الخواطر ضد الحكام الذين يختانون أمانة أوطانهم الإسلامية بما يُطلقون من أيدي المستعمرين الأوربيين في شئونها المالية وغير المالية. وقد أخذ يمرن تلاميذه -وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده- على الخطابة وإنشاء المقالات في الصحف. وتحولت إلى التلميذ النابغ جميع تعاليم أستاذه في السياسة وغير السياسة، وتأججت في صدره حماسة لاهبة لخدمة دينه ووطنه. وهيئت الفرصة له ليذيع آراءه الإصلاحية في الجمهور؛ إذ تولى تحرير "الوقائع المصرية" لأول عهد توفيق.
واشترك في الثورة العرابية، حتى إذا أخفقت حُكم عليه بالنفي ثلاث سنوات، فذهب إلى بيروت ثم تركها إلى باريس، وكان قد سبقه جمال الدين إليها، وأصدرا هناك صحيفة "العروة الوثقى" يذيعان فيها على مصر والعالم الإسلامي ما يوقد نار الحمية الإسلامية في النفوس، وكانا يؤمنان بوجوب توحُّد المسلمين تحت راية الخلافة العثمانية، حتى يقفوا رجلًا واحدًا أمام الأوربيين وجشعهم الاستعماري البغيض.
وعلى هذا النحو كانت الموضوعات التي يتناولها كُتَّابنا في عصر إسماعيل