تختلف اختلافًا بينًا عما كانوا يعرفونه، فليس فيها التكلف وليس فيها السجع والبديع؛ وإنما فيها الأسلوب المرسل الشفاف الذي لا يخفي شيئًا من المعنى ولا يستر دلالة من الدلالات. فشكوا فيما يألفون، سواء من جهة الأساليب الدينية الملتوية أو من جهة الأساليب الأدبية المقيدة بالسجع والبديع، وطلبوا طرق التعبير القديمة في الدين والأدب جميعًا.
وفي أثناء ذلك كان يشتد الاتصال بالغرب، فقد فُتحت قناة السويس، ونزل في مصر كثير من الأجانب، وأخذ المصريون يطلعون من قرب على الحياة الأوربية المادية. وكان ذلك يزيد من شعور المصريين بقوميتهم، وأن لهم شأنًا في العالم وعلاقاته الاقتصادية، كما كان يؤثر في أذواقهم وعقولهم؛ فإن العلاقات الحضارية يتشابك بعضها ببعض.
وجَدَّ المصريون منذ عصر إسماعيل في دعم اتصالهم بالغرب، فهم يكثرون من المدارس ويفتحون أبواب التعليم العالي على مصاريعها، ويؤسسون الأوبرا ويقيمون دار الكتب للقراءة والاطلاع المنظم. وبعث ذلك كله نهضة واسعة في مصر، نهضة غيرت الأذواق، وهيأتها لتطور واسع في الميادين الأدبية. وكانت تدفع هذه النهضة بقوة روحُ المصريين الجديدة وشعورهم بأن وراء ما يقرءون في الدين والأدب نماذج قديمة جديرة بالاحتذاء والتقليد، فأقبلوا عليها يقرءونها ويتأثرونها.
ولم يكن هذا التيار العربي القديم وحده هو الذي يغير في أذواقهم وعقلياتهم، فقد كان هناك تيار آخر يأتيهم من وراء البحر، لا بالأوربيين الذين يستوطنون ديارهم فحسب؛ بل بالعلم الأوربي والأدب الأوربي، وكان تصالهم بالعلم أسبق من اتصالهم بالأدب؛ ولكنه لم يُحْدث تبدلًا في حياتهم الأدبية؛ إنما حدث هذا التبدل حين أخذوا يتصلون مباشرة بالآثار الأدبية الغربية ويتذوقونها، ولم يكتفوا بذلك؛ فقد أخذوا يترجمونها، وشاركهم في هذه الترجمة عنصر عربي هاجر إلى ديارنا، هو عنصر السوريين واللبنانيين الذين وفدوا علينا فارين من اضطهاد العثمانيين أو لأغراض اقتصادية.