قائم من وضع الشعب وتصميمه. ومما زاد شعور المصريين بأنفسهم كشف اللغة الهيروغليفية، وتبينهم لتاريخهم القديم، فاستشعروا من ذلك كله عزة وأنفة، وطلبوا الحياة الحرة الكريمة.

ولم يتقدم بهم حكم إسماعيل حتى رأوا رأي العين ضرورة الاشتراك معه في الحكم؛ فإنه يسير في طريق محفوف بالخطر، وإذا تُرك وأهواءه وسياسته المالية السيئة فإن البلاد ستقع حتمًا فريسة في أيدي الغربيين، وقد أخذوا فعلًا يضعون لها الشباك من صندوق دين ومن مراقبة مالية ومستشارين ماليين وغير ذلك من نُذر تنذر بالشر المستطير. وإسماعيل في غَيِّه، وبطانته التركية من حوله لا ترده ولا تهديه سواء السبيل.

وأحس المصريون بخطر هذا كله، وأنهم لا يعيشون معيشة كريمة في بلادهم، وأنه حري بهم أن يلوا شئونها، وأن يعيشوا أحرارًا تحت سمائها، واستقر ذلك في نفوسهم، فلا بد من التحرر أولًا من الحاكم المستبد الذي لا يحسن تصريف الأمور، وثانيًا من الترك الذين يؤلفون حاشيته، والذين يسيطرون على المناصب الكبرى في الجيش وغير الجيش.

ولم يقف تفكير المصريين عند وطنهم، فقد فكروا في دينهم، وما أصاب المسلمين من ضعف وانحلال، فإذا الغرب يستولي على بعض بلدانهم، وإذا الخلافة الإسلامية في تركيا تكاد تنقض لما يدبِّر لها الغرب عامة. ورأى المصريون عن بصيرة أنه يجب الرجوع إلى مصادر الإسلام الأولى، حتى يُنَقَّى الدين مما علق به من أوهام وخرافات، ورجعوا يدرسون كتبه القديمة وما كتبه المسلمون في العصر العباسي. وكان ذلك تحولًا مهمًّا، فإن الأزهر لم يكن يدرس سوى كتب العصور المتأخرة التي التوت أساليبها وتعقدت أشد ما يكون الالتواء والتعقيد.

واقترن هذا الاطلاع على المصادر الأولى في الدين باطلاع آخر على المصادر الأولى في الأدب، فإن المطبعة أخذت في نشر الكتب الأدبية القديمة من مثل كليلة ودمنة لابن المقفع، فرأى المثقفون نماذج جديدة في التعبير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015