ويخص "الشك" بقصيدة يبكي فيها قرب حبيبه. فهو يبكي نعيمه كما يبكي شقاءه، إن حياته كلها أنات ودموع، وهو دائمًا يبث عطفه على المرأة، فهي عنده مخلوق نبيل طاهر، وتمثل ذلك أوضح تمثيل قصيدته "قلب راقصة"، وفيها يقص تجربة واقعية له، وكيف أنه دخل أحد المراقص فرأى راقصة يهفو لها قلب الناظرين، وهي ترقص رقصة الذبيح من الألم، والجمهور من حولها يتهلل فرحًا وبشرًا، وما يزال بها حتى يجعلها طاهرة النفس، فقد صهرتها وصفَّتها ناران: نار الصبر ونار الألم:
تمضي وتجهل كيف أكبرها ... إذ تختفي في حالك الظُّلَمِ
روحًا إذا أثمت يطهِّرها ... ناران نار الصبر والألم
وكل هذا شعر ورمانسي خالص، وهو شعر -كما في هذه القصيدة- يصور تجربة حقيقية، ولناجي السبق في هذا الباب؛ إذ أخرج جوانب من شعرنا من الباب القديم باب الرؤية والخيال إلى باب الحقيقة والتجربة الواقعة. ويتسع هذا الجانب عنده في ديوانه الثاني "ليالي القاهرة" وهو اسم استعاره من "ليالي دي موسيه" المشهورة في الأدب الرومانسي الفرنسي، والتي يصور فيها صاحبها ما ألَمَّ به من آلام الحب، تلك الآلام التي انبعثت من قلبه، وتحولت قصائد رائعة تصور الحب واليأس منه والحسرة والفراغ.
ويبدأ ديوان "ليالي القاهرة" بسبع قصائد تحت هذا العنوان تصور ظلام القاهرة في الحرب العالمية الثانية وما حدث للشاعر فيها من تجارب حب. ونراه يقول في إحداها وقد سماها "لقاء في الليل":
يا لحظة ما كان أسعدها ... وهناءة ما كان أعظمها
مر الغريب فباعدتْ يدها ... وخلا الطريق فقرَّبت فمها
وهو يصور هنا ما يكون بين العاشقين من عناق الأيدي، وما يعتريهم من الخوف والقلق أن يراهم الناس، وهم لذلك يهابونهم. ولا تظن أنه يجد في هذا المتاع وما يماثله ما يداوي قلقه المستحوذ على كيانه أو ما يحقق