وعلى هذا النسق فهم ناجي الشعر، فلم يصور عواطف الناس السياسية والوطنية من حوله؛ بل انصرف إلى نفسه يتغنى بحب شقي عاثر، وهو غناء كله ألم وشجن وارتياب وقلق وهم، غناء عاشق، يخفق دائمًا في حبه، ولا يجد في نفسه ولا في يده منه إلا الذكرى الممضة المحرقة، ومن خير ما يصور ذلك قصيدتاه: "الناي المحترق" و"العودة"، وفيها يتغنى بذكرياته الحزينة لمعاهد شبابه، وما كان له فيها من حب ذبل قبل أوانه، على مثل ما نرى في قوله:
رفرف القلب بجنبي كالذبيح ... وأنا أهتف يا قلب اتئد
فيجيب الدمع والماضي الجريح ... لِمَ عدنا؟ ليت أنا لم نعد
لم عدنا؟ أولم نطو الغرام ... وفرغنا من حنين وألم
ورضينا بسكون وسلام ... وانهينا لفراغ كالعدم
موطن الحسن ثوى فيه السأم ... وسرت أنفاسه في جَوِّه
وأناخ الليل فيه وجثم ... وجرت أشباحه في بهوه
والبِلى أبصرته رأى العيان ... ويداه تنسجان العنكبوت
صحت: يا ويحك تبدو في مكان ... كل شيء فيه حي لا يموت
كل شيء من سرور وحزن ... والليالي من بهيج وشَجِي
وأنا أسمع أقدام الزمن ... وخُطى الوحدة فوق الدَّرَج
وهذا النغم الذي يزخر بالألم نجده في كل صفحة من صفحات "وراء الغمام"، فليس فيه تفاؤل وليس فيه فرح بحاضر ولا مستقبل؛ إذ لا يبدو في ظلام حياته خيط من الأمل؛ بل هو دائمًا غارق في لجج من الشقاء والحرمان. وقد يقف بالطبيعة كما في قصيدته "خواطر الغروب"؛ ولكنه لا يقف بها منفصلة عما في نفسه؛ بل يستغلها لتصوير ما يعتلج في قلبه من مشاعر الأسى والحزن؛ كقوله في القصيدة:
ما تقول الأمواج؟ ما آلم الشمـ ... ـس فولت حزينة صفراء
تركتنا وخلفَتْ ليل شك ... أبديٍّ والظلمة الخرساء